اللغة التي تتحدثها ، العلاقات الإجتماعية التي تبنيها ، التفاصيل اللي عن نفسك تعرفها ، إن لم يكن لديك القدرة على تذكرها ..
أخبرني من أنت ؟
الذاكرة ليست فقط تلك المعلومة التي تنتظر استدعائك لها وقت الإختبار، الذاكرة تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير ، هي ذلك الجانب الأهم من شخصيتك ، هي تجاربك ومغامراتك ، هي الذكريات الجميلة التي لا...... ( تنسى ) .. أكيد إن حضرت الذكريات الجميلة يجب أن لا تنسى ، لأن ماهو أجمل من حدوث المناسبة هو إمكانية استدعائها مرة تلو الأخرى ، ولو قلنا الذكريات الجميلة التي تنسى ، حتى ولو كنت تعيش اللحظة الأسعد في حياتك عندما لا تكون ساكنه في الذاكرة تصبح وكأنها لا شيء .
البعد آخر للذاكرة : أنها ترتبط بالسلوك ،سلوك الإنسان وتصرفاته مبنيه على تراكم خبراته والتي تحفظ في الذاكرة ، فنحن لا نتذكر بشكل واعي في أغلب الأحيان أنه حدث لي كذا وكذا في الماضي فيجب أن أتصرف الان بكذا وكذا في المستقبل، فمثلا : جربت أكل جديد وبعد ما مضغت أول لقمة حصل عندك حساسيه ، بمجرد حدوث هالشي راح يتعدل سلوكك تلقائيا وراح تبتعد عن هالنوع من الأكل ويصبح جزء من شخصيتك انك ما تحبه والفضل يعود لذاكرتك
سأذكر لكم الآن قصة كانت هي النقطة المحورية التي جعلت العلماء يعيدون حساباتهم في طريقة فهمهم للذاكرة .
شخص إسمه هنري مولايسن ، معروف في الوسط العلمي باختصار اتش ام ، قصته بدأت في عمر السابعه عندما ارتطم به سائق دراجة ، بعد فتره من الحادث بدأت تظهر عنده نوبات من الصرع ، كان الصرع جزئي ومع الأدوية كان حالته تحت السيطرة إلى حد ما ، مضت الأيام حتى وصل عمره 16 سنه ، حينها تطورت حالة الصرع لديه لتصبح صرع كلي ولم تعد الأدوية التي كان يستخدمها ذات فائدة كبيرة .
في عام 1953 تم تحويل حالته لجراح المخ والأعصاب ويليم سكوفيل والذي كان يعمل في مستشفى هارتفورد آن ذاك ، بعد الكشف والفحوصات وجد الدكتور مكان الخلل في منطقتين في الدماغ ، المنطقة الأولى تسمى : (ميدل تمبورال لوب ) الفص الصدغي الأوسط ، والمنطقة الثانية تسمى ( الهيبوكامبس )، حصان البحر.
وقبل ما نكمل القصة حاب اني بشكل سريع أبين أماكن الفصوص الأربعة الرئيسية في الدماغ:
المنطقة الأولى تسمى : الفص الجبهي ( ومن الاسم واضح هو الفص الذي يكون تحت منطقة الجبهه )
الفص الثاني اسمه : الفص الجداري ومكانه خلف الفص الجبهي يعني الرأس من فوق وله فصين يمين ويسار
الفص الثالث : الفص الصدغي ويكون حول منطقة الأذن وله كذلك فصين يمين ويسار
الفص الرابع : يسمى الفص القذالي وهي المنطقة الخلفية من الرأس
أما ما يخص منطقة حصان البحر فهي تقع في العمق تحت منطقة الفص الصدغي الأوسط
اقترح الجراح ويليم استئصال المنطقتين اللي هم ( الفص الصدغي الأوسط وحصان البحر ) وفي عمر السابعه والعشرين قرر هنري أن يقوم بإجراء العملية وتم الاستئصال .
أعراض الصرع اختفت ونقدر نقول العملية نجحت ولكن ، ظهرت أعراض جديدة لم تكن في الحسبان ، وهي أن هنري فقد القدره على تكوين ذاكرة جديدة .
( فاصل )
هل هنري فقد القدرة على تكوين جميع أنواع الذاكرة ؟
الإجابة: لا
طيب أي نوع من الذاكرة تأثر ؟
عشان نجوب بدقه على هالسؤال لازم نقسم الذاكرة إلى قسمين: ذاكرة طويلة وذاكرة قصيرة ، ونعرف أيضا ألأنواع اللي تندرج تحت كل منهما
تتفرع الذاكرة القصيرة إلى
· ذاكرة التخزين القصيرة
· ذاكرة حسية
· ذاكرة العمل
ذاكرة التخزين القصيرة : وهي الذاكرة التي تستخدم مثلا أثناء المذاكرة حيث أن قراءت المعلومة بتركيز ووعي يجعلها تتخزن مبدئيا لفترة قصيرة ، وانتقالها للذاكرة الطويلة يعتمد على عوامل عديده - سأذكرها لاحقا – إن لم تتحقق هذه العوامل فإنها سرعان ما تختفي ، ولعل الكثير سيوافقني أنه قبل الإختبارات يقوم الطالب بالمذاكرة ، حتى تأتي ورقة الإختبار ويضع الإجابات على الورقة ، ولو سألت الطالب بعد اسبوع أو اسبوعين لوجدت أنه نسي أغلب المعلومات والسبب أنه أعتمد في طريقة مذاكرته على ذاكرة التخزين القصيرة .
الذاكرة الحسيّة : وهي المدخلات عن طريق الحواس كالسمع والرؤية وهي تعتبر أول خطوة لأي ذاكرة سواءا قصيرة أو طويلة ، مثال : لو رأيت البرق فجأة ، رؤيتك وتخزينك السريع لها يندرج تحت هذا النوع
ذاكرة العمل: تستخدم هذه الذاكرة لتعليق معلومة ولفتره قصيرة في حال استخدامها في نفس اللحظة لو سألتك 5 ضرب 20 في هذه اللحظة أنت ستستخدم الذاكرة العملية لاستدعاء الرقمين ثم استخدامهما للحصول على النتيجة .
الان سننتقل إلى تقسيم الذاكرة الطويلة وهي تنقسم إلى قسمين :
الذاكرة الصريحة ( الذاكرة الواعية)
والذاكرة الضمنية ( الذاكرة اللاوعية)
الذاكرة الصريحة ( الواعية ) لها نوعين :
ذاكرة الدلالات الللفظية وفيها تخزن الحقائق والمفاهيم مثل : باريس هي عاصمة فرنسا أو سرعة الضوء هي ثلاث مئة ألف كيلو متر في الثانية ...
النوع الثاني من الذاكرة الصريحة ذاكرة الدلالات العرضية ويقصد فيها الذاكرة التي يتم تخزين الأحداث التي تعرضت لها خلال حياتك ، ويخزن فيها أيضاً الخبرات مثل : عام 2010 تخرجت من الثانوي ، أو يوم زواجي كان في 16 نوفمبر الخ .
القسم الثاني من أقسام الذاكرة الطويلة :
الذاكرة الضمنية ( اللاوعية )
ولها أيضا عدة أنواع :
1- الذاكرة الإجرائية :
وهي الذاكرة التي يتم حفظ المهارات العملية والإجرائية فيها ، ويكون استدعاؤها غير واعي مثال : عندما تريد الذهاب للعمل صباحاً كل ما تقوم به هو أن تخرج من المنزل بإتجاه سيارتك وعندما تبدأ بالقيادة والتفكير في إيجاد حل لزحمة المواصلات صباحاً، في هذه الأثناء مهارة القيادة والتي تم تخزينها مسبقاً تكون هي من تولت مهمة القيادة وأنت لا تعي !
2- التهيئة : وتعني تعرضك لمؤثر معين يجعلك تغير قرارك المستقبلي بناءا على المؤثر الأول ( وكل هذا يتم في اللاوعي ) ، تتم التهيئة كثيرا في الإعلانات التجارية ، خلال مشاهدتك لبرنامجك المفضل على التلفاز ويأتي فاصل إعلاني ، حتى ولو لم تعير هذا الإعلان أي إهتمام فهو سيؤثر على قرارك في شراءه مستقبلا دون أن تدري ، وتمت تجربة على أشخاص مورست عليهم التهيئة دون أن يدرون ، والنتيجة كانت غريبة ، في التجربة تم تقسيم الأشخاص إلى مجموعتين ، وكل مجموعة عرضت عليها كلمات محدده تم إختيارها بعناية .
المجموعة الأولى : اعتمدوا فيها على عرض كلمات لها علاقة بالتقدم في السن ، لم يذكر عمر صريح أو شي من هالقبيل ولكن الكلمات كانت تصف ذلك بشكل غير مباشر ، كوصف علامات التقدم في السن والعجز وغيرها من الألفاظ
العجيب في الموضوع أن هذه المجموعة أثناء خروجهم بعد التجربة لوحظ أن مشيهم صار أبطأ مقارنة مع مشيهم عندما قدموا
المجموعة الثانية :عرضت عليها كلمات ذات دلالات فظه وخارجه عن سياق الأدب ، ولن تصدق أن هؤلاء الأشخاص تأثروا والبعض قطع التجربة وخرج ولم يكملها !
3- التكيف الكلاسيكي البسيط ويندرج تحته الاستجابة العاطفية ، لو فرضنا أن هناك حيوان مفترس يريد الهجوم عليك ، قبل أن يصل لإدراكك وتتعرف على الحيوان ، ردة الفعل اللاواعية تكون قد بدأت فضربات قلبك تكون قد ازدادت وجسمك بدأ يستعد للهروب ، وكل هذا يتم في اللاواعي وأنت آخر من يعلم !
4- التعلم الغير إرتباطي : وهو ردة الفعل تجاه مؤثر خارجي مستمر ، وله نوعين التعوّد والتحسس ، لو سكنت في بيت على شارع رئيسي، في البداية راح تتضايق من الازعاج ولكن مع الوقت راح تتعلم كيف تتجاهل هالصوت لأنه لا يحمل معلومة مهمه بالنسبة لك ، وعلى العكس التحسس هو أن كل مره تسمع فيها الصوت تزيد حساسيتك تجاهه ، الأم لما تسمع صوت طفلها يبكي كل ما يزيد في البكاء تزيد حساسيتها للصوت .
التعلم الغير إرتباطي مهم وسنعود له في فقرة شرح عمل الذاكرة الضمنية لأنه كان الطريقة المثلى لعرض هذا النوع من الذاكرة.
كل نوع من أنواع الذاكرة اللي ذكرتهم لها مكان معين في الدماغ :
فمثلا الذاكرة المختصه بالتجارب والخبرات ، الحقائق والمفاهيم يبدأ تكوينها في منطقة حصان البحر والفص الصدغي الأوسط ، ومن ثم تنتقل إلى مكان آخر لتستقر فيه .
ذاكرة الإجراءات العملية تخزن في منطقة تسمى ( ستريياتم ) أما
ذاكرة الاستجابة العاطفية تخزن في منطقة الامقديلا
الذاكرة العملية تخزن في منطقة ( بيرفرونتال كورتكس )
والتهيئة تخزن في منطقة النيوكورتكس
هذا الفهم أن كل نوع من أنواع الذاكرة له مكان مخصص لم يكن معروف ، وحالة هنري ساعدت كثيراً في الوصول إلى نتيجة كهذه .
بعدما تعرض هنري لإستصئال المنطقتين اللي هي حصان البحر والفص الصدغي الأوسط فقد هنري القدرة على تكوين ذاكرة جديدة للدلالات العرضية ( التجارب والخبرات ) وكذلك الدلالات اللفظية ( الحقائق والمفاهيم ) لأنهما ببساطة تتكونان في هالمنطقتين ، أما الذاكرة ( الإجرائية ) وكذلك الذاكرة المؤقته لم تتأثران .
ومن الأشياء اللي لاحظوها عليه ، أن الدكتورة التي كانت تدرس حالته كانت كل مره تزوره يعرف بنفسه وكأنه أول مره يراها ، وإذا أمسك بالجريدة وبدأ بالقراءة ، بعد إكمال المقطع الأول يكون قد نسيه ، فيعود ليقرأه من جديد .
الذاكرة الإجرائية تم اختبارها عند هنري وتعلم مهارة جديدة، تم تدريبه ليتعلم مهارة الرسم عن طريق رسم إنعكاس الشيء على المراءة ، ولا يحق له النظر إلى يده وهي ترسم ، استطاع أن يجيد هذه المهارة ، ولكن كالمعتاد عندما أعيدت عليه بعد يوم لم يكن يتذكر أنه في الأصل قد تعلمها ويظن أنها شيء جديد بالرغم أن المهارة لازالت موجودة ولم تختفي !
( فاصل )
في هذه الفقرة سنبدأ بتعريف ثلاث مصطلحات بشكل علمي أكثر : : الذاكرة ، التعلّم ، الاستدعاء
لو أخذناها بالمنطق عشان أتعلم لازم إني أتذكر ، وعشان أتذكر لابد أن يكون عندي قدرة على الاستدعاء .
لذلك الذاكرة هي :العمليات الحيوية التي تُخزِن المعلومات التي تعلمناها
أما التعلم : فهو اكتساب سلوك مختلف بسبب مؤثر خارجي
والاستدعاء : هو الاسترجاع الواعي واللا واعي والذي من خلاله يظهر السلوك المكتسب !
كما ذكرنا سابقا أن الذاكرة تنقسم إلى قسمين : قصيرة و طويلة ، ولسبب أنهما مختلفتان في طول فترة التخزين وجب الإختلاف بينهما في العمليات الحيوية لكل منهما .
كان فيه بعض الأفكار هنا وهناك تحاول أن تفسر العمليات الحيوية لبناء الذاكرة ، ومن أهمها نظرية الدكتور سانتيقو رامون والذي يعتبر ( أبو علم الأعصاب الحديث ) يقول فيها : أن الخلايا العصبيه تتواصل مع بعضها البعض عن طريق ( سينابسس ) تشابك عصبي يختلف في قوته من تشابك لآخر، المشكلة أنه لم يكن لديه دليل تجريبي على ذلك ، حتى أتى من بعده عالم الأعصاب اريك كانديل ( الحاصل على جائزة النوبل في الطب ) استطاع هو وزملائه بذكاء فهم كيف تتكون الذاكرة .
اعتمد في تجاربة بشكل عام على مبدأ الإختزال فبدل أن يقوم بدراسة دماغ الإنسان الذي يعتبر معقد ويحتوي على ملايين الخلايا استبدله بجهاز عصبي أقل تطورا و يفي بغرض التجربة .
هناك تجربتين منفصلتين الأولى تبرهن على كيفية عمل الذاكرة الصريحة والأخرى للذاكرة الضمنية !
في التجربة الخاصة بالذاكرة الصريحة تم استخدام الفأر ، الفأر لديه نفس الإنسان ( هيبوكامبس ) حصان البحر ، ولأن الفأر لديه القدرة على حفظ المكان وتوجيه نفسه في الفراغ وهذا يتم في منطقة حصان البحر وقع الاختيار عليه للتجربة .
التجربة الثانية الخاصة بالذاكرة الضمنية ، وقع الاختيار على حيوان الابليزيا كاليفورنيكا وهو حيوان مائي بسيط
اختياره كان للأسباب التاليه:
1- دماغه يتكون فقط من عشرين ألف خلية مما يجعل تحليل البيانات أسهل بكثير من دماغ الانسان
2- وضوح الخلايا والقدرة على تحديدها ، حيث أن كل مجموعة من الخلايا تجتمع في عقدة عصبية كل عقدة تحتوي على 2000 عصب وهذا يساعد على الوصول لمكان السلوك بشكل سهل ومباشر
3- خلايا الابليزيا العصبية تعتبر أكبر خلايا عصبيه في مملكة الحيوانات حيث أن أكبر خلية يقدر نصف قطرها بالمليميتروأي شخص سليم النظر يستطيع رؤويتها بوضوح .
الخاصية المهمه التي كانت هي محور التجربة هو أن لمس جسم الأبليزيا لمسا خفيفا له ردة فعل عكسيه تجعل جهازها التنفسي الخارجي ( الخياشيم ) تنكمش .
أثناء التجربة تم لمسها بلطف فانكمشت الخياشيم انكماش بسيط .
بعد ذلك تم وخزها بأداة حادة فكانت ردة الفعل انكماش أقوى بكثير من اللمس البسيط ، بعد دقيقة من الوخزة المؤلمة عاودوا لمسها بلطف كما في السابق ولكن كانت ردة فعلها قوية كما لو أنك وخزتها بشيء مؤلم ، والاستنتاج المنطقي هو أنها بدأت تتحسس .
عدد الوخزات ينعكس على مدة تذكرها ، بمعنى أنه لو تم وخزها مره واحده فإن الذاكرة ستكون مؤقته وتدوم لدقيقة ، بينما لو تكرر الوخز المؤذي عدت مرات فإنه سيدوم التحسس لأيام أي أنها بدأت تستخدم ذاكرتها الطويلة.
السبب يكمن في التالي : الدائرة العصبية تبدأ بالإحساس ، هالإحساس ينتقل عن طريق العصب الحسي والذي يتشابك مع العصب الحركي ( المسؤول عن انكماش الخياشيم ) ، وبينهما يوجد عصب وظيفته تعديل وتحفيز هذا التشابك ( العصب المعدل ) .
ولنبسط الفكرة أكثر ، تخيل معي ان لديك ثلاث أقلام ، القلم الأول يمثل العصب الحسي ، أما القلم الثاني فهو يمثل العصب الحركي ، الان سنضع القلمين بشكل عمودي فوق بعضهما البعض بحيث يكون القلم الأعلى هو العصب الحسي والقلم الأسفل منه هو العصب الحركي وبين نقطة التقاءهما سنضع القلم الثالث بشكل أفقي ( والذي يمثل العصب المعدل ) ، بعد وخز الأبليزيا لمره واحده ، سيقوم العصب المعدل اللي هو القلم الأفقي بإفرازمادة ( السيروتينين ) والتي بدورها ستحفز التشابك العصبي بين العصب الحركي والحسي ، ولكن لن يكون هناك أي تغير في الشكل الكلي لهذا التشابك .
في المقابل سنقوم بالوخز لمرات متعدده متتابعه ، في هذه المره سيفرز السيروتينين بمعدلات عالية ، هذا الإفراز الكثيف لن يكتفي فقط بالتحفيز ولكن سيقوم أيضاً بالوصول إلى النواة العصبية وبعد عدت خطوات حيوية داخل الخلايا سيتم الأمر بإنشاء تشابك عصبي جديد ، وتكون النتيجة شكل جديد للتشابك أعقد بقليل من السابق.
في الحالة الأولى عندما تم فقط إفراز القليل من السيروتينين تحفز التشابك الموجود وحصلنا على ذاكرة قصيرة مؤقته ، بينما في الحاله الثانية عندما أفرز السيروتينين بشكل كبير، نشأ تشابك عصبي جديد كانت نتيجته ذاكرة طويلة المدى !
الآن سننتقل إلى تجربة الفأر .
تم وضع الفأر على طاولة دائرية كبيرة مستديرة مرتفعه عن الأرض ، يوجد على الأطراف ما يقارب الأربعين ثقب ، ويوجد فقط ثقب واحد يؤدي إلى نفق تحت الطاولة يستطيع الفأر الإختباء فيه ، أمام الثقب وضعوا علم أحمر كعلامة تميزه فيكون لديه ربط ما بين العلم والثقب الصحيح ، ولكي يجبر الفأر للبحث عن المكان الآمن تم تشغيل أصوات مزعجه صاخبه من حوله تجعله يشعر بالخوف فينطلق للبحث .
بعد وضع الفأر على الطاولة بدأ رحلة البحث حتى توصل إلى الثقب الصحيح ، أعيدت التجربة 3 مرات تقريبا ، ولاحظوا أنه تعلّم أن العلم الأحمر هناك يوجد الثقب المنجي ، فأصبح ينطلق دون تردد إلى الثقب الصحيح .
وللتأكد من صحة التجربة ، غيروا مكان الثقب وازالوا العلم الأحمر ، حينما وضعوه على الطاولة أصيب بصدمه وتخبط ، فالعلامة المميزة اختفت والثقب لم يعد كما كان .
طريقة تخزين الذاكرة الصريحة سواءا مؤقته أو طويلة لا تختلف في طريقتها كثيرا عن ما وجوده خلال تجربة الأبليزيا ، وتأكدوا من ذلك عندما استخدموا إنزيم اسمه ( بروتين سينثيسس انهبيتهور ) أوقف العمليات الحيوية المسؤولة عن تكوين الذاكرة الطويلة .
( فاصل )
الذاكرة الطويلة تمر بعدد من المراحل حتى تحفظ بشكل دائم ، في البداية تخزن في الذاكرة القصيرة ويحتاج الإنسان لااستدعاء المعلومة عدت مرات على فترات معينة حتى يتم إنتقالها من الذاكرة القصيرة إلى الذاكرة الطويلة ، أي إلى بناء تشابك عصبي جديد
من النظريات التي تستحق الذكرهي نظرية ( منحنى النسيان ) والذي صممه عالم النفس الألماني هيرمن إبينقاهوس ، يشرح فيه أنه خلال تخزين أي معلومة ، بعد القراءة الأولى يفقد الإنسان ما يقارب 70 في الميه منها خلال أول يوم إذا لم يراجعها مباشرة خلال اليوم الذي يليه ، لذلك يجب مراجعة المعلومة على الأقل خمس مرات وبفترات مختلفة حتى يتم تخزينها بشكل كامل .
فمثلا لو قراءت المعلومة يوم السبت ، يوم الأحد يجب عليك مراجعتها لكي لا ينخفض المنحى وكأنك تعيد رفعه مع هذا الاستدعاء ، بعد ذلك ( اترك يوم ) وراجع المعلومة يوم الثلاثاء ، ثم ( اترك يومين ) وراجعها يوم الجمعه ، وهكذا بحيث أنه بين كل مراجعه وأخرى تزيد عدد الأيام بينهم ، هذه الطريقة تسمى بالتكرار المتباعد .
هناك عوامل تؤثر على الذاكرة ومنها :
1- حالة التركيز أثناء تلقي المعلومة
2- النوم : خلال النوم التشابكات العصبيه يتم اعادة استدعاءها و تقويتها ، والبعض منها بعد الانتهاء من تكوينها في منطقة حصان البحر مثلا تنتقل إلى منطقة النيوكورتكس حيث تراجع وتحضر للإنتقال إلى الذاكرة الطويلة ، واستخدم العلماء تقنية الرنين المغناطيسي أثناء النوم ووجدوا أن العمليات الحيوية في مناطق الذاكرة تكون مشابهه لتلك التي تكون أثناء تكوين الذاكرة .
وجدير أيضاً بالذكر أن النوم الغير كافي يجعل التعلم صعب ، واستدعاء المعلومات أصعب وفي بعض الأحيان قلة النوم قد تخلق وقائع لم تحصل .
3- الحاله العاطفية : تزامن العاطفه مع الحدث يحفز ويسرع تخزينها ، فمثلا لو سقطت أثناء اللعب وأنت صغير وصاحب ذلك ألم شديد نقلت على إثره للمستشفى ، الأغلب أنك لن تنسى أبدا هذه الحادثه والسبب هو تزامن الحدث مع العاطفة ( وهي الألم في هذه الحاله) ، معرفة هذه المعلومة تساعد الإنسان على فهم لماذا لا يستطيع أن يجيد شيء هو في الأصل لا يحبه ، وعلى العكس لو كنت تحب الشيء الذي تقوم به ، ستتميز فيه والسبب أن تزامن العاطفة ( الحماس ) كان محفز جعل العملية التعليمية أسرع
4- الضغط النفسي المستمر يضعف الذاكرة ، أثناء الشعور بالتوتر والقلق يرتفع منسوب هرمونات مثل ( كاتيكولامينز ، و القلوكوكورتيكويدز ) هذه الهرمونات توثرعلى الذاكرة سلباً .
( فاصل )
زي ما لاحظنا أن الذاكرة هي محور مفصلي في حياة كل واحد منا
ولعلّ مرضى الزهايمرهم المثال الأشهر لفقدان الذاكرة ،فالمريض يصبح بلا هوية حقيقة ، ففي مرحلة متقدمه من المرض ينسى الشخص فيها من يحب فتصبح زوجته غريبه وأبناءه وأصدقائه أشخاص مجهولين ، وسيكون بلا ملامح شخصية فلم يعد يفضل ذلك الأكل ويحب التنزه في ذلك المكان .... سيصبح لاشي .
شكراً على حسن المتابعة وإذا شفت إن هالبودكاست يستحق النشر إنشره عند من تحب وخلهم يستمتعون زي ما استمتعت .
يوجد للبودكاست حساب تويتر ، انستغرام ، ويوتيوب ، بنفس الاسم( ذا بريني برين ) ، إذا كان لديك تعليق أو سؤال في بالك تقدر تكتبه في أي مكان من مواقع التواصل الاجتماعي وقد يكون سؤالك موضوع لحلقة قادمة
كان معكم نايف ناجي .... دمتم بخير
Comments