top of page
Writer's pictureنايف ناجي

الحلقة الثالثة: قصة اللغة



لماذا الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع الكلام ؟

من إخترع الكتابة ؟ ولماذا بدأت ؟

كيف تعمل اللغة في الدماغ ؟


( فاصل )

في هذه الفقرة سأتحدث عن عالمي اللغة نوم شومسكي و فيليب ليبرمان

كل منهما يعتبرعالم لغة له مكانته ولكن نظرتهم لموضوع اللغة تختلف ، يا ترى من منهم الأقرب للصحة ؟ سنرى بعد قليل .

من عام 1960 إلى وقت قريب كانت نظرية الفيلسوف نوام تشومسكي هي السائدة في علم اللغة ، والتي تقول بعالمية قواعد اللغة، فالقواعد اللغوية لأي لغة في العالم هي نفسها ، الطفل عندما يلد يكون لديه القابلية لتعلم أي لغة ، وهناك في الدماغ ما سماه تشومسكي

language acquisition device

يقصد أن هناك منطقة متخصصة في الدماغ لكسب اللغة تكون موجودة منذ الولادة ، هذه المنطقة تنقسم إلى عدة مناطق فمثلا هناك منطقة للأفعال ، وأخرى للأسماء ، وأيضا منطقة للصفات وهكذا ، من خلال تعرض الطفل للغة يبدأ بترتيب المفردات في هذه الأقسام وبعد فترة يصبح قادرا على تركيب عدد لا نهائي من الجمل .

وأيضا أضاف أن جميع اللغات بشتى أنواعها نستطيع أن نقلصها إلى قواعد رئيسية مشتركة وعامة لجميع اللغات .

كان يؤمن تشومسكي أيضا أن بناء الجملة ، ومعناها، وكيف تنطق ، كل خاصيه منها لها مكان وطريقة معينة ، ولا يوجد بينهم ترابط ، كل خاصية منها منفصلة تماما عن الآخرى وقدم نماذج لها بطريقته الخاصه ، ولعل هذا التوجه وطريقة التفكير كان سببه أن فهم الدماغ في تلك الحقبة وحتى الآن إلى حد ما ، دائما ما يشبّه عمل الدماغ كعمل الحاسب الآلي من ناحية النظام والترتيب فمثلا القرص الصلب يخزن فيه المعلومات ، والرام هو المشغل للبرامج إلخ ، و الحقيقة هي أن الدماغ لا يشابه الحاسب الآلي وقد تكون هذه الفكرة السائدة هي السبب في طريقة تعاطي تشومسكي مع الدماغ بشكل عام ومع اللغة بشكل خاص .

أفكاره وأطروحاته في وقته كان لها مكانتها وتناقلها الكل ولكن لم يدم ذلك لفترة طويلة حيث أن علم الأعصاب سدد ضربات قاتله لنظرياته ، وصار فيه رأي آخر لم يطب كثيرا له حتى أنه في بعض الأحيان لم يكن يحترم الرأي الآخر الذي يخالفه .

أطروحات تشومسكي بنت جيل كامل يتبنى أفكاره ويسير على نهجه حتى أتى أحد طلابه ليخالفه ويطرح أفكار جديدة أكثر رصانة وأدق علميا وهو عالم اللغات ليبرمان .

بدأ ليبرمان بالنظر للغة من زاوية جديدة فكان يؤمن أنه لا نستطيع فهم اللغة دون الرجوع إلى نظرية التطور بشكل أو بآخر ، فمثلا كتب قائلاَ في أطروحته للدكتوراه : أن طريقة تنفس الإنسان هي أحد مفتايح فهم خصوصية الإنسان بالكلام ، فالتحكم بالتنفس وأخذ ما يكفي من الهواء لإنتاج جملة كاملة عامل مهم ، وأيضا بدأ في مقارنة القرود بالإنسان ، فوجد أن القرود لا تستطيع الكلام لأن تشريح لسانها يختلف عن الإنسان ، فلسان الإنسان لديه القدرة على تحريكه بمهارة وإتقان لا يستطيعها القرد ، وتفاصيل التطور وكيف تمت سأشرحها لاحقاً

درس ليبرمان أيضاً الدماغ وبالخصوص منطقة ( باسال قانقليا ) ، توجد هذه الخلايا تحت القشرة الدماغية في العمق ووظيفتها تعلّم الأنماط الحركية فهي تتحكم في ترتيب كيفية الحركة ، والخلل في هذه المنطقة يكون نتاجها أعراض المصابين بمرض الباركنسون. تلف الباسل قانقليا ينتج رعشة في اليد وتصلب في بعض العضلات ، والملفت أن المصابين بهذا المرض لديهم مشكلة في الكلام والفهم وهذا قد يشرح لنا بطريقة غير مباشرة علاقة الباسال قانقليا باللغة .

وهناك قصه قد تساعدنا في الفهم أكثر عن علاقة الباسال قانقليا باللغة ، ففي عام 1993 في جبال الإفرست ، وجودوا أن قلة الأوكسجين بشكل مؤقت تسبب خلل في منطقة الباسل قانقليا مما يجعل الشخص لا يستطيع أن يفرق في النطق بين بي وال بي في اللغة الإنجليزية ، لأن التفرقه بين الحرفين يحتاج دقه ومهارة أكثر وتعطل الباسل قانقليا مؤقتا يفقد الشخص هذه الميزة .

ولوحظ أيضا في الدراسة أن الأشخاص أصبح لديهم خلل في الفهم و والتصرفات ، ومن القصص التي تستحق الذكر، أن مجموعة من متسلقي الجبال ، أحدهم كان قد تأثر بقلة الأكسجين ، حاولوا إقناعه للنزول معهم ولكن رفض ، حاولوا معه مرارا ولكن دون فائدة ، قرروا زملائه النزول ، ولسوء الحظ توفى وعندما عثر على جثته وجودوا أن سقوطه كان بسبب أن ظفيرة التسلق لم تكن معقودة بشكل صحيح ، ولربط ظفيرة التسلق نحتاج إلى مهارة ، هذه المهارة لها علاقة مع الباسل قانقليا ، ولأنها كانت قد تضررت لم ينجح في ربطها وسقط .

عمل ليبرمان كان بداية لفهم اللغة بطريقة علمية تبحث وراء الأسباب وتحاول شرحها ، كان يريد إيصال فكرة أنه لا يوجد كما ذكر تشومسكي جهاز للغة من ذوا ولادة الإنسان ، بل أن اللغة هي شي نحن من نفعله ونتعلمه مستخدمين مناطق في الدماغ ليست بالجديدة وموجودة منذ وقت طويل !

لا نستطيع أن نتجاهل دور نظرية التطور في إنتاج اللغة ، وبعض الأفكار عن طفرة اللغة وبدأ الإنسان في الكلام تقول : أن اللغة لم تكن هي الغاية أو القصد أثناء تطور الإنسان وإنما كانت نتاج ثانوي ، وعندما سئل الكاتب ستيفن قويلد ، كان رده بسيط وعميق فقال

It is probably a spandrel

من المحتمل أنها عروة الباب

ولنفهم ما يقصده ، هو أنه شبه اللغة كشكل عروة الباب ( المكان الواقع فوق المدخل المقوس للمبنى ) ، فزوايا الباب هي من تحدد شكل العروة دون أن يكون هناك قصد لتكوينها ، ولكن وجودها هو نتاج ثانوي ،لنفرض أن هناك إطار باب بشكل مستطيل ، تفصيل باب بشكل مقوّس سيحدد شكل العروة الجديد فوق الباب ، هذه النتيجة غير مقصودة ولكنها كانت نتيجة لشكل الباب ، ومثل ذلك تطور اللغة كانت نتيجة ثانوية لتطورالدماغ بشكل سريع و معقد جعلها تظهرعلى السطح

لنتجه الآن إلى أماكن اللغة في الدماغ ، بشكل عام نصف الدماغ الأيمن مسؤول عن إيقاع اللغة بينما النصف الأيسر وظيفته بناء اللغة وترتيب القواعد .

ولكي يكون لديك فكرة واقعية أكثر ، محاولة إيجاد منطقة واحده في الدماغ مسؤولة عن شيء معين لوحده فقط يعتبر محاولة فاشلة ، لأن الدماغ كما ذكرت ليس كالحاسب الآلي كل مكان له عمل ، فمثلاً هناك طفل يدعى ( إليك ) تم إستصال نصف دماغه الأيسر وهو في عمر الثامنه وستتفاجأ إن قيل لك أن ذلك الاستئصال لم يؤثرعليه واستطاع أن يقول جمل صحيحة دون أي مشكلة ، وهذه الحالة وغيرها فتحت باب كبير في علم الأعصاب لما يسمى ب

Plasticity

أي الطواعية وهذه الخاصية تحتاج شرح وتفصيل سيكون لها وقتها مستقبلا بإذن الله .

( فاصل )

في أحد مدن فرنسا في القرن التاسع عشر ، كان هناك دكتور ذكي يدعى بروكا ، أحد مرضاه كان يعاني من مشكلة في اللغة ،هذا المريض يستطيع أن يفهم كل ما يقال له ، ولكن لديه صعوبة في التعبير عن مافي داخله بشكل صحيح ، فترتيب الجملة وقواعدها كانت غير طبيعية ، لاحظ ذلك بروكا ، ولأن الأدوات كانت محدودة لم يستطيع أن يفهم ماذا يحدث داخل ذلك الدماغ ، توفى هذا المريض وسنحت له الفرصه بتشريح دماغه ، ووجد أنه هناك منطقة في الدماغ كانت تالفه ، فبدأ بمحاولة الربط بين هذه المنطقة وعدم قدرة المريض على الكلام بشكل صحيح ، ولكي يكتب عن هذه الحاله ويتحدث عنها كان لابد من إيجاد مرضى آخرين لديهم نفس المشكلة وبالفعل وجد أن كل المصابين بنفس الأعراض لديهم نفس المنطقة التالفه ، احتار في تسميتها وتواضعا منه سماها بروكاس أريا ، منطقة بروكا ، وتقع هذه المنطقة في النصف الأيسر من الدماغ وبالتحديد في الفص الجبهي .

بعد فترة ظهر دكتور ألماني موهوب ، إسمه فرنيك ، كان متأثرا بالدكتور بروكا وأحب أن يضيف شيء جديد لما تم إكتشافه ، آن ذاك كان عمره تقريبا 24 سنه للتو تخرج من كلية الطب ولكن من الواضح أنه كان موهوبا ، على كل حال أثناء عمله في المستشفى لاحظ حالة غريبه وهي أن المريض يستطيع التحدث ولكن لا يستطيع فهم ما يقال له ( عكس حالة بروكا ) ، بعد وفاة المريض شرح دماغه ووجد المنطقة المسؤولة عن فهم اللغة ، وكما كان أستاذه متواضعا كان كذلك وسماها ( فرنيكس أريا ) منطقة فرنيك ، ومكانها في النصف الأيسر وبالتحديد في الفص الصدغي ( خلف منطقة بروكا)

لنبدأ الآن بترتيب الأفكار بشكل أوضح ، تعرفنا على منطقة بروكا وقلنا إنها هي المسوؤلة عن ترتيب اللغة وقواعدها ، ومن ثم تحدثنا عن منطقة فرنيك وقلنا أنها هي المسؤولة عن فهم اللغة .

يجب أن نعرف مناطق أخرى ليكون لدينا فهم عام عن كيفية عمل اللغة ، بالقرب من منطقة فرنيك هناك منطقتين مهمتين الأولى القشرة السمعية ( وتهتم بالمدخلات الصوتية ) والثانية القشرة البصرية ( ومتخصصه بمدخلات النظر) .

أثناء القراءة المدخلات تمر بالعين حتى تصل إلى القشرة البصرية ومن ثم تنتقل إلى منطقة فرنيك لكي تفهم ما تقرأ ، كذلك عندما تتحدث مع أي شخص ، المدخلات الصوتية تذهب إلى القشرة السمعية ومن ثم تنتقل إلى منطقة فرنيك لتفهم الجملة .

لاحظ معي أن المدخلات سواءا صوتية أو بصرية لابد أن تمر بمنطقة فرنيك لكي تفهم ما تقرأه وما تسمعه !

مثال :

لنتخيل أنك الآن تستمتع بالحديث مع صديقك ، أذنك ستستقبل الموجات الصوتية ثم تنقلها إلى الأذن الداخليه هناك سيتم تحويل الصوت إلى إشارات عصبية ، بعد ذلك تمر بالقشرة السمعية ، القشرة السمعية لها تشابك عصبي مع منطقة فرنيك ، عندما تصل المدخلات إلى منطقة فرنيك أنت الآن فهمت المعنى ، طيب لو أردت الرد على صديقك مالذي سيحدث بالضبط ؟ عشان تقدر ترد عليه لابد أن يكون هناك ترابط عصبي بين منطقة فرنيك ومنطقة بروكا ، هذا الترابط العصبي يسمى

Arcuate fasciculus

الحزمة المقوسة ، بعد فهمك لما قاله صديقك ، المدخلات تنتقل من منطقة فرنيك إلى منطقة بروكا ، حينها سيبدأ التحضير للرد في هذه المنطقة ، سيتم ترتيب الجملة وتحضير القواعد الصحيحة ، ومن ثم منطقة بروكا ستعطي أمر للمنطقة الحركية الخاصة بعضلات اللسان لتستطيع إنتاج جملة صحيحة .

إذا ترتيب الجملة بقواعدها الصحيحة يتم في منطقة بروكا ، بينما الأمر العصبي الحركي للنطق نفسه يتم في منطقة أخرى مسؤولة ومتخصصة للأوامر الحركية ، ولعلي سأتحدث بشكل سريع عن هذه المنطقة .

في الدماغ توجد خريطة مصغره لكل عضو من جسدك ، تسمى ب

Cortical homunculus

( قشرة أنيسان ) كلمة أنسيان هي تصغير لكلمة إنسان ، والسبب في التسمية هي أن كل عضو من جسمك يتمثل في هذه المنطقة ، فمثلا اليد تمثل في منطقة ، الرجل في منطقة وهكذا ، اللسان كذلك يمثّل في جزء منفصل ، هذا الجزء قريب من منطقة بروكا ، وبالطبع لأن بين هذه المنتطقتين تواصل مستمر فوجب أن تكونا متقاربتين ، تستطيع أن تكتب في قوقل : قشرة أنيسان أو هومونكيلس

H o m u n c u l u s

وسوف تتعجب من شكل وترتيب الأعضاء داخل الدماغ .

(فاصل)

الأسئلة الرئيسية لهذه الفقرة هي متى بدأ الإنسان بالكلام ؟

ماهي أشهر الفرضيات

وأيضا سنناقش الكتابة والقراءة

لا يوجد إجابة دقيقة بالضبط متى بدأ الإنسان بالكلام ولكن هناك طرق غير مباشرة سمحت للعلماء بتقدير الفترة الزمنية ، فعلماء الأحافير وعلوم الإنسان قدروا أن الإنسان تطور عقله بطريقة تجعله يستطيع أن يتحدث بشكل بسيط تقريبا مليوني سنه قبل الميلاد لإنسان يدعى هومو اركتس و هومو هابيليس ، أما ما يخص القناة الصوتية فقد تطورت قبل الميلاد ب400 ألف سنه لإنسان يدعى الهومو سيبينس .

حجم الدماغ تزايد تدريجيا مع تطور الإنسان ، هذا لا يعني أن الحجم وحده هو مفتاح الحل لهذه الأحجية ، لأن هناك حيوانات أخرى حجم دماغها يفوق حجم دماغ الإنسان ولكن لا تستطيع الكلام ، وما يميز دماغ الإنسان هو تشابكاته العصبية المعقدة جداً وتطور مناطق فيه مثل منطقتي بوركا و فرنيك .

أما ما يخص تطور القناة الصوتية ، فالإنسان القديم كالهومو نياندرتال كانت حنجرته مرتفعه عن الحلق مما أضاف له ميزة وأخذ منه ميزة ، فبإمكانة الأكل والشرب في نفس اللحظة ،لكنّ قدرته على إنتاج الأصوات كانت محدودة جدا .

خلال مراحل تطور الإنسان بدأت الحنجرة تدريجيا بالنزول لتستقر داخل الحلق ، أضف إلى ذلك إنفصال اللهاة عن لسان المزمار ، هذا التغير التشريحي لشكل القناة الصوتية جعله لها تجويفين ، فأصبح لدنيا تجويف الفم ، والثاني تجويف البلعوم ، ومن هنا بدأ الإنسان في إنتاج نطاق واسع ومختلف من الأصوات .

هناك أيضا فرضيات عديدة تخمّن نقطة بداية اللغة وسأذكرها بشكل موجز :

الفرضية الأولى ، فرضية الإيماء : تقول بأن الإنسان القديم بدأ بإستخدام يديه وجسمه ليُفهم الطرف الآخر ماذا يريد ، مع مرور الوقت بدأ يستخدم لسانه أيضا كنوع من الإيماء ، وكما نعلم أن الحنجرة الصوتية بدأت تتطور ، فأصبح قادرا على إنتاج أصوات مختلفة ، و اللغة كانت المحصلة

فرضية النطق : وهي أن الإنسان القديم كان لديه نوع بسيط من الأصوات ، كإصدار أصوات تحذيرية لبعضهم البعض أثناء الحاجة شيء يشبه هذا الصوت ( مقطع الصوت )

هل فعلا كان أصواتهم مثل اللي سمعتوه ؟ قد يكون ؟ ولكن يظل السؤال مفتوح ولعل أحد الطفرات الجينية كان لها دور كبير في هذا الشأن ومع الوقت صنعت اللغة بشكلها

الفرضية الأخيرة : فرضية تفاعل الأم والطفل : كما نعرف أن المولود الصغير ليس مستقلا فهو يحتاج أمه في كل شيء على عكس بعض الحيوانات التي تولد وتكون إلى حد كبير مسؤولة عن نفسها ، طفل الإنسان القديم بدأ بالمشي على القدمين فأصبحت مهمة العناية أصعب ، بالتالي وجب على الأم أن تحمل طفلها .

هذه الفرضية خمنت أن الطفل عند بكاءه ولعبه يصدرأصواتا كأن يقول مام مام مام مام أو غيرها من الأصوات كوّن لدى الأم ردة فعل تجاه تلك الأصوات وتدريجيا بدأت اللغة .

( فاصل )

الآن سنتحدث عن الكتابة والقراءة :

الكتابة والقراءة هي إختراع بشري يختلف عن الكلام وسأذكر لكم لماذا ، هذا الإختراع استطاع أن يغير تركيبة الدماغ ، فعالم الأعصاب البريطاني اوتا فريث يقول جملة ملهمة : أن تعلم الحروف تشبه الإصابة بالفايروس الذي يؤثر على معالجة اللغة في الدماغ ، فكل الكلمات تلقائيا تتفكك إلى أجزاء صوتية ، اللغة لم تعد هي ذاته

الفرق بين القراءة والكلام هو أن القراءة والكتابة تحتاج سنوات من التعليم حتى يتستطيع الإنسان إجادتها ، بينما الكلام يُكتسب من الأبوين والبيئة من حولنا .

التعرف على الحروف والقدرة على قراءتها تتم في القشرة البصرية ، عندما يلد الطفل يكون دماغه مستعداً للتعرف على الوجوه والأشياء ، ومع بداية تعلّمه للحروف ، الدماغ يبدأ بالتشكل بطريقة جديدة وتكوين تشابكات عصبية ليلبي هذه الرغبة .

وينصح بتعلّم اللغة في عمر صغير لأن قدرة الدماغ على إعادة تشكيل نفسه أفضل منها عند كبار السن ، ولا أخفيكم عن تساؤل في بالي يخص تعلم اللغات الأجنبية ، من خلال ملاحظتي ويمكن لاحظتوا نفس الشي أن من يتعلمون لغة أجنبية في سن صغير غالبا ما يجيدونها بشكل رائع حتى أنهم يكادون يصبحون من أصحابها ، مقارنة مع من يتعلمها على كبر ، بلا شك يستطيع أن يجيدها ولكن يظل بشكل أقل، ووجدت الإجابة خلال مشاهدتي لمحاضرة على اليوتيوب وهي أن الطفل إذا تعلم اللغة الأجنبية في عمر صغير هذه اللغة تُحفظ في نفس المنطقة التي تكوّن فيها اللغة الأم ، بينما إن تعلمها وهوكبير تكون اللغة الأجنبية محفوظة ولكن في منطقة مجاورة وملحقة باللغة الأم ، وهنا مربط الفرس .

على كل حال نعود إلى موضوعنا ،

القراءة والكتابة تعتبر جديدة عندما تُقارن بالكلام ، فلو لم يكن هنالك كلام لما وجدت الكتابة من الأصل .

وأول من بدأ الكتابة على قول أغلب المصادر هم السومريين وكان ذلك قبل 3000 سنه تقريبا بدأت برسومات وتطورت مع مرور الوقت إلى أن أصبحت رموز ، ولعل هذه الرموز بدأت مع الحركة التجارية في الشرق الأوسط ، فلقد وجد العلماء رموز منتشره في أماكن عديده ، زاد عددها شيئا فشيئا وأصبحت أكثر تنظيماً ، والنتيجة كانت اللغة المسمارية في بلاد السوماريين جنوب وادي الرافدين بالعراق

من الأسباب التي جعلت اللغة المسمارية تنقرض هو أنها كانت عباره عن رموز ، هذه الرموز لا تستطيع أن تمثل كل كلمة على حده لذلك فهي لغة صعبه وغير عملية كثيرا .

الخطوة التالية لظهور الأحرف الأبجدية هي اللغة الهيروغليفية المصرية ، والممتع في هذه اللغة أنها كانت تحتوي على 24 رسمه إن صح التعبير أو رمز تمثل الحروف الساكنه ولم يكن لديها رموز مخصصه للنطق ، فجمعوا ما بين رمز يخص المعنى ورمز أخر يخص الصوت مثلها تماما مثل اللغة الصينية ، فاللغة الصينية لا تحتوي على حروف مستقلة تجتمع لتبني كلمة وإنما هنالك رمز يخص المعنى ورمز يخص النطق ولا تستطيع أن تستغني عن أحدهما ، وبإختلاف رمز النطق يختلف المعنى .

تطورت الكتابة حتى وصلت للإغريق والذين أضافوا لمسه جديدة فهم أول من أخترع فكرة حرف ساكن وآخر متحرك .

تعلّم القراءة والكتابة يؤثر على طريقة سماعنا للكلام ، فالشخص الأمي لا يسمع الكلام بنفس الطريقة ، هناك دراسة برتغالية بهذا الشأن ، تم اختبار مجموعة أمية وأخرى متعلمه عن طريق نطق أربع كلمات ، كل كلمتين تقابل كلمتين ، ومن ثم سؤالهم إذا كانتا تنتهيان بنفس الصوت أو لا ، مثلا كلمة ( جرس ) و ( فرس ) تنتهي بنفس الحرف ، مقابل كلمة ( جرس ) و ( باب ) والتي لا تنتهي بنفس الحرف ، وجدوا أن الأشخاص المتعلمين لم يواجهوا مشكلة نهائيا في التفريق بين نهايات الكلمات ، أما الأشخاص الأميين فكانت عليهم أصعب .

والتصوير الدماغي أكد ذلك ، فتمثيل الكلام في دماغ المتعلم يختلف عن الغير متعلم .

الآن سنأتي لسؤال كيف يتعامل الدماغ مع المعنى ، كلمة سيارة مثلا أو بيت ، كيف تستحضرها وكيف يخزنها الدماغ.

من أحد طرق الدماغ في حفظ أو إنتاج المعنى هو التعامل مع أسماء الأشياء كصندوق أو حاوية ، فمثلا الإنسان هو حاوية لأعضاءه ، البيت هو حاوية للغرف ، وهكذا ، كل هذه تمثل عن طريق أعصاب في الدماغ مهمتها التعريف برسم معالم الأشياء ، مكانها ، تفاصيلها من الداخل وكذلك من الخارج ، وحدودها

بعد ذلك يبدأ بتجميع المعاني في إطار كبير ، هذا الإطار يحتوي على إطارات تحته ، فمثلا لو قلت لك كلمة مستشفى ( هذا إطار كبير ) ، راح يجي في بالك دكتور ( إطار ) ، ممرضة ( إطار ) ، الأدوية ، غرف الجراحة ( إطار ) إلخ .

فذكر أي كلمة ، يستعدي جميع الإطارات المرتبطة بالمعنى .

الآن أبغاك تركز معي ، وافعل ما ستقوله الجملة لك ( لا تفكر في الفيل ) ، أنا متأكد حتى ولو كانت جملتي ظاهرها النهي إلا أن الفيل جاء في بالك بإطاراته المتعدده ، وما أريد إيصاله أنك لن تستطيع أن تفكر دون إطارات .

نأتي لما يسمى ( بالإستعاره ) : هذا الرجل بحر في الكرم ، في هذا المثال أنا إستعرت البحر لأصف كرم الرجل ، كذلك بناء المعنى يتم بنفس الطريقة ، وللتنبيه ما سأقوله يعتبرضربة قاضية للشعراء لأن فهمنا للمعاني يستخدم الإستعارة .

علاقة المحبين ببعضهم كالسيارة ، والمحبين مسافرين ، هناك وجهه هم ذاهبين إليها اللي هو الهدف من العلاقة ، ولأن الحياة لا تخلو من العقبات تعطل السيارة ممكن .

نعم الدماغ يتعامل مع المعنى أيضا بهذه الطريقة

أستعنا ب : السيارة ، الطريق ، عجلات السيارة ، والعقبات ، لو لاحظت لوجدت أنها تشترك في شيء واحد وهي أنها أشياء محسوسة وملموسة في حياتنا الطبيعية ، واستعارتها حدث لنفهم المعنى .

مثال آخر : معنى المستقبل هو النظر للأمام، ومعنى الماضي هو النظر للخلف ، هناك تجربة تمت في جامعة إمستردام ، مجموعة من الأشخاص قسموهم إلى قسمين سألوا القسم الأول أن يفكّروا في المستقبل ، والقسم الثاني سألوهم أن يفكّروا في الماضي ، في غرفة التجربة وضعوا كاميرا لتراقب حركة أجسامهم ، ووجودوا أن الأشخاص الذين فكروا في المستقبل مالت أجسامهم للأمام ، أما من فكروا في الماضي مالت أجسامهم للخلف

إذا المستقبل أمام والماضي خلف

أيضا هناك تجربة حدثت في قاعة كبيرة بها مجموعة من الأشخاص في فصل الشتاء وزعوا عليهم أكواب قهوة ، نصفها كان دافئ ، والنصف الاخر كان بارد ، بعد ذلك سألوا الأشخاص أن يفكّروا في شخص ويصفوه ، من حصل على القهوة الدافئة تذكر شخص كان لطيف معه ووصفه ، ومن حصل على قهوة باردة تذكر شخص فضّ تعامل معه و وصفه .

إذا الطف دافئ ، والمعاملة السيئة باردة

( فاصل )

كالمعتاد شكراً على حسن إستماعكم ، إذا شعرتوا أن الحلقة تستحق النشر إنشروها ، يوجد لدينا حسابات على الانستغرام ، التويتر ، واليوتيوب بنفس الاسم ذا بريني برين بودكاست ، وتأكدوا تماما أن ملاحظاتكم وتعليقاتكم تسعدني .

كان معكم نايف ناجي

دمتم بخير


12 views0 comments

Comments


bottom of page