أهلا وسهلا بكم جميعا، اليوم سنتحدث عن موضوع يعتبر الى حد ما معقد، وفي ظني ان اكثركم قد اطلع عليه بشكل مباشر او غير مباشر، وهذا الموضوع هو موضوع الجريمة والشخصية الاجرامية.
طبعا الجريمة هي ظاهرة مهمه في المجتمعات والحضارات، والدراسات حول هذه الظاهرة تقاسمتها الكثير من التخصصات، فعلم النفس له رأيه، وعلم الاجتماع له رأيه، وكذلك علم الاعصاب له رأيه.
والاجرام هنا والذي نقصده هو ليس القتل فقط، بل انه يصل الى سلوكيات قد لا ندرك انها صادرة من عقل إجرامي، يفكر بطريقة مختلفة، ولذلك ومن البداية يجب ان أوضح انني عندما اذكر العقل الاجرامي او المجرم، فأنا اقصد طَيف كبير، يشمل القتل، السرقة، الاغتصاب، التنمر، الى اخره من الأشياء التي لا تتماشى مع التفكير السائد في المجتمعات.
في علم الاعصاب، العقل الاجرامي كان ولا زال يُدرس، فترى العلماء يدرسونه من ناحية تشريحيه، وتراهم أيضا يحاولون فهم العمليات الحيوية الدقيقة التي تُوصل لهذا السلوك الاجرامي.
فهناك من العلماء من ذهب لفكرة ان هؤلاء الناس، هم في الحقيقة ضحايا للمجتمع والبيئة التي يعيشون فيها، ومن ثم تُوجه أصابع الاتهام – في الغالب - إلى الاب والام لما لهم دور في تنشأت الأطفال والتصاقهم الشديد بهم، وبعد ذلك تأتي البيئة كسبب اخر يُنتج هذه العقلية.
ولكن.... هل هذه الادعاءات صحيحة؟
أم إن هذه العقلية لها أليات أخرى تَخفى على الكثيرين، ومن ضمنهم علماء النفس والاعصاب؟
هذا سيكون بشكل عام ما ستدو حوله هذه الحلقة، كمحاولة لفهم مشكلة العقل الاجرامي وكيف يمكن ان نعالجها.
دعوني في البداية أذكر الكتاب الذي استفدت منه لإعداد هذه الحلقة، وهو بعنوان
Inside the criminal mind
لعالم النفس ستانتون إي سيم نوا.
لنبدأ الان بتعريف العقل الاجرامي.
يذكر الكاتب انه ليس من الضروي ان يرتكب الشخص جريمة قتل لنصفه بالمجرم، بل إن أي نوع من ايذاء للطرف الاخر يعتبرعمل اجرامي، وسبقه بالضرورة طريقة تفكير اجرامية، فمثلا لو اخترق شخص حساب بنكي لاي انسان حتى ولو كان مليونير، فهو هنا عمل عمل اجرامي، حتى ولو سرق شيء بسيطا.
يذكر أيضا ستانتون انه ومن خلال خبرته الطويلة في علم النفس والتعامل مع المجرمين، أدرك أن هناك صفات مشتركه في التفكير الإجرامي.
وهذه الصفات، مُشتركة عند الصغير والكبير من هذه الفئة.
وقبل ان اذكر هذه الصفات، ونفهم تفاصيلها، اريد أن أنبه انه لا يمكن الحكم على شخص بأنه يفكر تفكير اجرامي بمعرفة هذه الصفات فقط، لأن هذه الصفات قد تنطبق على غير المجرمين، فمثلا الكذب هو صفة من الصفات الاجرامية، ولكن من منا لا يكذب؟
فتشخيص العقل الاجرامي لا يتم الا عند متخصصين، لأنه يدققون في النمط السلوكي على فترات طويلة، وسلسلة الاعمال الاجرامية، والاستمرارية، الى آخره من المعايير.
لذلك لسنا هنا في إطار تشخيص الناس، والهدف من هذه الحلقة توسيع المدارك حول هذه الظاهرة وحسب.
الصفة الأولى: الكذب، فالكذب المستمر يعتبر لهذه الفئة من الناس طريقة للعيش، فهم يكذبون كما يتنفسون، هذا الكذب يُستخدم كغطاء يُخبأ قبح افعالهم والاخاديع التي يمارسونها، محاولين ان يكونوا دائما اشخاص مميزين، ولهم وضعهم في المجتمع.
إذا الكذب هو أحد الأشياء المؤشرة والمهمة في التفكير الإجرامي.
الصفة الثانية: والتي تقود الى نتائج وخيمه، هي اللامبالاة، فبالنسبة لهم مشاعر الاخرين ليست ذات قيمة، بل وحتى انهم لا يفهمون ما معنى الحاق الضرر بالآخر، فبعضهم مثلا يرى ان الضرر هو ان ينزف الدم، وما عداه فهو شيء عادي، وفي إطار اللامبالاة، لديهم مفهوم التعامل مع الناس وكأنهم أدوات، فهم يستخدمونهم للوصول لهدف معين، المهم عندهم هو جلب المصلحة الذاتية، والناس لا اعتبار لهم، والمخيف في هذا الجانب، ان اغلب أصحاب التفكير الاجرامي يجيدون مهارة التحدث والتلاعب بالناس ومشاعرها.
الصفة الثالثة: هي سرعة الغضب ، والذي ينفجر فيه الشخص دون ان يوقفه شيء ، وهذا الغضب هو انعكاس لكيف يُفكر ، فهو يعتقد في قرارة نفسه ان الناس يجب ان تٌنفذ له ما يتمنى ، والتصور هذا غير عملي ، وفي حياتنا اليومي غير واقعي، فمثلا الانسان العادي عندما يتمنى شيء ويحدث عكسه يتقبل ذلك ، قد ينتابه شيء من الحزن أو الغضب ولكن لا يكون انفجاري يعصف بكل شيء من حوله ، في حين ان التفكير الإجرامي لا يفهم فلسفة الحياة وواقعيتها ، فتراه لا يُصدق حدوث عكس ما يتصوره ، لانه يرى انه مميز والعالم يجب ان يقول له شُبيك لبيك .
مثال بسيط: صاحب التفكير الاجرامي لو تعرضت له سياره اثناء القيادة، جعلته ينحرف عن مساره، فهو لن يقف عند حد الغضب والشتم، ردة فعله ستكون أعظم من ذلك بكثير، فلو اتيحت له الفرصه لقتل دون تردد.
وهذا يوصلنا بطريقة غير مباشره الى فكرة عدم المسؤولية، وأنه يرى أنني سأفعل ما يحلو لي، فانا لست أصلا جبانا لإلتزم بما يلتزم به غيري.
الصفة الرابعة: هي عدم الاعتراف بالخطأ، وان سبب فشله هو نفسه، فتجده بين كل جمله وأخرى يذكر أن هناك دائما من يستقصده وان الناس كلهم ضده، فهو – في تصوره - الانسان المُحارب، ومن شبه النادر ان تسمع منه جملة (نعم هذا خطأي) انا قصرت ويجب ان أتعلم بل على العكس تجد ان كل من حوله هم السبب، ما عدا إياه.
ولهذا فالكثير من المجرمين كانوا ولا زالوا يتلاعبون او لنقل يجعلون انفسهم ضحايا المجتمع الذي لا يرحم، وان البيئة والاهل هم السبب في ايصاله لهذا الطريق، وعلماء النفس كانوا يضعون اعتبارا لهذا، ولكن مع الوقت اتضح ان هذا غير صحيح، وان هذه الادعاءات لم تكن الا مجرد صفة متأصله في العقل الاجرامي، تجعله لا يتحمل أي مسؤولية، بل ويستخدم علم النفس ليبرر افعاله.
الصفة الخامسة: هي عدم الاستقرار الوظيفي، ففي الغالب هذا النوع من الشخصيات لا يميل الى الحياة الروتينية، فهناك صفة تعزز هذا السلوك، وهي الإثارة، وفي العمل اليومي لا إثاره تُذكر.
طبعا مع ذلك تجد انه يحلم بأن يكون مدير لشركة راقيه، شرط ان لا يمر بمراحل الترقية التي يجب على كل موظف المرور بها، فهو قد يشعر بالإحراج لو رآه أصدقائه يعمل في وظيفة متواضعة، فهو مدير الشركة التي يجب ان تٌفتح له كل الابواب، والسبب أنه الشخص المميز!
الصفة السادسة: هي الاستثناء، فهو يرى أنه فوق القانون، وفوق الكل، فتراه يستثني نفسه من أشياء يرى انها محرمة على غيره، فمثلا يؤمن انه من حقه خيانة زوجته ومعاشرة الكثير من النساء، وفي المقابل زوجته لا ينبغي لها حتى ان تفكر في الخيانة.
هو فوق القانون ويحق له ما لا يحق لغيره.
الصفة السابعة: هي الدكتاتورية في سلوكه، ولديه اعتقاد بأنه هو من يفهم، ورأيه يجب أن ينفذ، وأي اعتراض سيُقابل بالرد القاسي سوآءا معنوياً أو جسدياً.
طيب، دعوني الان أعود الى فكرة الإثارة لأنها جانب مهم في تكوين العقل الاجرامي.
العقل الإجرامي مدمن لجرعات الادرينالين بشكل لافت، فتراه يخطط لجرمية قتل، او سلب، او اغتصاب، وهو يعيش في هذا اللحظات اعلى مستويات الإثارة.
وعندما يذكر لك – الشخص المجرم - مصطلح (الملل) فهو لا يقصد المعنى الذي نعرفه، هو يقصد أنه يجب عليه أن يفعل شيئاً مثيرا، مثل ان يضرب أحدا حتى يرى دمه يسيل، أو أن يُغامر في منتصف الليل لشراء الكوكايين وتعاطيه.
والشيء المؤسف، أن العقل الإجرامي يعيش معنا يوميا، ويمر علينا بشكل شبه يومي، ففي المدرسة مثلا تُشاهد بعض الطلاب من مختلف الاعمار يتنمرون على زملائهم، وفي الوظائف المدير قد يتنمر ويبتز من تحته من الموظفين.
ولذلك فهناك شريحة من المجتمع تدفع ثمن هذا السلوك الإجرامي، ففي المدراس، هذا السلوك يعيق العملية التعليمية، ويشتت تركيز الطلاب، ليتضرر الطالب الجاد الذي أتى ليتعلم، ومع الوقت قد يكره المدرسة، وهذا ما يحدث في الواقع.
فمسألة العقل الإجرامي ليست حصراً على من هم في السجون، بل هي تمتد لتعيش معنا، ونحتاج لفهم صفاتهم، والمبادرة لإيجاد حلول عملية وعلمية، أكثر تحضرا ونضجاً، وسأذكر البديل عن السجون في الفقرة التالية.
( موسيقى )
انتهينا الان من الصفات المشتركة في العقول الإجرامية، الان سنبدأ ذكر بعض التفاصيل والتحليلات حول هذه العقلية.
العقل الإجرامي ليس له حدود اجتماعية، فهو ليس مرتبط ارتباط دائما بتعليم الشخص لذلك هو ليس محصورا على غير المتعلم او الفقير المعدم، وانما يسري في أي طبقه اجتماعيه وأي درجة علمية، بمعنى انك قد تجد عقل اجرامي لم يُكمل الثانوية، وعقل اجرامي اخر أكمل الدكتوراه في تخصص ما وأصبح رئيساً للدولة!
طيب، السؤال الذي يطرح نفسه دائماً، ما الذي يدفع هؤلاء الأشخاص لارتكاب الجرائم؟
يقول ستناتون أن البيئه والتربية ليست هي التي تُنتج لنا مجرماً، طبعا هو في هذا الرأي يخالف التفكير السائد بين متخصصي علم النفس، لأنهم دائماً يحاولون رمي الحمل على الأباء أو البيئة، ولكن لو تأملنا جيدا وفحصنا هذه الشخصيات فسنجد التالي:
أنه في أي مجتمع ستجد عائلات متعلمه ويوجد بها مجرم، وعلى العكس قد تجد عائلات بسيطة تنتج أبناء طبيعيين.
وقد أيضا تلاحظ أن اشقاء من نفس الام والاب، أحدهم طبيعي والأخر شر مستطير.
لذلك يميل بل وينتقد ستانتون المنهج القديم، الذي يوجه أصابع الاتهام للتربية، مما يجعل الأباء في تأنيب ضمير مستمر.
والخلل من وجهة نظره هو في (العقل الإجرامي نفسه) فعمليات التفكير التي يتخذها المجرم هي من تُنتج هذا السلوك، فطريقة تفكير المجرمين وتحليلهم للأمور تختلف عن الشخص الطبيعي.
إذا أمسكنا بطرف مهم، وهو أن الطريقة التي يُفكر بها المجرم هي المنشأ الحقيقي لهذا السلوك الخاطئ، وبمعنى اخر ولنفهم أكثر، لو تعرض شخصين لنفس الموقف، واحدهم كان طبيعي والآخر مجرم، فإن طريقة تحليل الموقف تتم بطريقتين مختلفين، بالرغم من أنه نفس الموقف، الإ أن النتيجة اختلفت، فاختلف السلوك معها.
وهذا يتوافق مع الأساليب الحديثة في العلاج النفسي، كالعلاج المعرفي السلوكي CBT: فهو يؤثر بالدرجة الاولى على طريقة التفكير (من داخل الدماغ نفسه) وهذه التغيُر ينعكس على سلوك الشخص.
لذلك العقل الإجرامي، خلله في طريقة التفكير المتسلسلة والتي تنتهي بفكرة خاطئه ينتج منها سلوك إجرامي.
طبعا، من الأشياء التي لُوحظت أيضاً هي الحيل والأساليب التي أضفت نوع من الضبابية حول الإجرام وظواهره.
فخذ مثالا أن المجرم ليس دائماً ضحية للاندفاع والتهور، بدليل أنه قبل أن يقرر اقتراف جريمة فهو يراقب المكان جيدا، وقد يدرس ويلاحظ أماكن تواجد الأبواب والمخارج، فهو ليس غبي كما نظن.
هناك أيضا من يمثل دور المريض، ليستعطف غيره، فهو يدعي المرض، لكنه يعرف أن يذهب ليُقامر، لأنه يعلم أن فوزه يعني الحصول على المال.
ومن بين الإشكالات التي طُرحت، هو أنهم مصابين بمرض نفسي.
ولكن المرض النفسي في اغلب الأحوال، لا يعني أن الإنسان لا يستطيع أن يُفرق بين الصح والخطأ، فالاضطرابات النفسية ليست دائماً سبب كافي يُنجي المجرم من عقابه.
كذلك المخدرات والعقاقير، ليست التي تُلام، فالجريمة تكون أولاً والمخدرات ثانياً.
طبعا المجرمين يحتجون أنها هي سبب سلوكياتهم الوحشية وهذا غير صحيح، فهذه العقاقير هي فقط تُضخم السلوك الإجرامي وتوضحه، والخلل هو في العقل نفسه لا في العقار.
ولو سألته لماذا تتعاطى المخدرات مثلا؟
لأحال السبب إلى حياته البائسة وفقده لوظيفته، ولكن أليس السبب أنك من البداية لم تتحمل المسؤولية وتجتهد لحياة أفضل؟
حتى وإن تخطينا فكرة الظروف والحياة القاسية، فهناك من هم من عائلات غنية يتعاطون نفس المخدر؟
إذا المشكلة ليست في المخدر وتعاطيه، بل في البحث عن الإثارة، والشعور بالقوة والسيطرة.
نقطه مهمه تستحق التأمل وهي أنه لو تعاطى الشخص الطبيعي العقاقير أو غيرها، فإن هذا الاستخدام لا يحوله إلى قاتل متسلسل أو مغتصب لا يرحم.
طيب، بعد ان تعرفنا بشكل عام على أن التفكير الإجرامي، معضلته الحقيقة هو في كيفية طريقة التفكير نفسها، دعونا الان نرى ماهي الحلول المطروحة؟
في منتصف العام 1982 كان في السجون الامريكية ما يقارب ال 394 ألف نزيل، وعلى نهاية ال 2011، أصبح الرقم اثنين مليون ومئتين وسته وستين ألف سجين يتواجدون داخل السجون الامريكية، أضف عليهم أربعة ملايين و 800 الف شخص امريكي تحت المراقبة حتى يتأكدون من حسن سلوكهم وانضباطهم.
لذلك يجب أن نسأل هل السجن فعّال لإصلاح السلوكيات؟
أم إننا نحتاج لأسلوب جديد.
كما لاحظنا من الأرقام، أن الارتفاع لا يزال مستمر، والسجون لم تحد ولم تؤثر إيجابا بالشكل المطلوب.
فالسجون ليست مكان للتصحيح والتغيير إلا لشريحة بسيطة لا تكاد تذكر، والنظام المجتمعي في الداخل يحث الشخص العادي على أن يكون أكثر شراسة وعدوانا ليستطيع أن يعيش في مجتمع مليء بأنواع المجرمين، وأًصبح السجن عند بعضهم ملتقى لتبادل الخبرات الاجرامية وبناء خطط مستقبلية لجرائم قادمة.
تصحيح السلوك لا يكون في السجون، وعلى ذلك فهناك أسلوب طَرحه الكاتب قد يكون هو بداية الحل الصحيح والذي سيقضي ولو جزئيا على هذه المشكلة، وهذه الطريقة طورها طبيب النفس Samuel Yochelson
يوكلسون هذا تعامل مع مئات المجرمين، وأخذ التفاصيل الحياتية والمجتمعية لكل شخصية منهم، واستخلص من هذه الخبرة، أنه في البداية يجب أن نغرس فكرة أن المجرم مسؤول عن تصرفاته وأنه ليس مجنون، وحظه من المسؤولية كغيره.
الأسلوب الذي طوره يجعل المجرم يقوم بتسجيل طريقة تفكيره في هذه اللحظة، وبعد ذلك يتم ملاحظة ومناقشة الأخطاء التفكيرية التي قام ارتكبها، وبعد ذلك يقوم بتصحيح هذا الخطأ في التفكير، ليفهم المجرم موضع الخطأ ويتعلم منه كيف يجب أن يفكر بشكل صحيح.
طبعا برنامجه التصحيحي يتم في البداية بمقابله مع المجرم على انفراد، ثم يبدأ تدريجيا بضمه مع مجموعات على هيئة صفوف مدرسية، يتم فيها تصحيح طرق التفكير لكل مجرم.
هذا البرنامج يستنزف الكثير من الوقت والجهد، الإ أنه في الحقيقة أثبتت فاعليتها.
المهم في بداية البرنامج أن يبادر المجرم بنفسه، بحيث أنه يعقد العزم على تحسين سلوكه ليساعده ذلك في الانضباط والحضور.
سأذكر مثال على كيفية عمل هذا البرنامج:
لوري – أحد المجرمين – قرر تغيير نفسه، فقابل الدكتور يوكلسون، في اللقاءات الأولية بدأ يفرض الدكتور رأيه على لوري، وبدأ يذكر الصفات التي يظن أنها تتواجد في لوري دون الاكتراث بالأعذار التي سيقولها ليدافع عن نفسه، وأكد له أنه يراه بهذا الطريقة، بهذا الأسلوب حاول بذكاء أن لا يقع في فخ لوري، لأنه لو سمح له بشرح ما هو عليه، فلن يضع لوري اللوم على نفسه – فنحن قد عرفنا سابقا ان من الصفات الاجرامية رمي الأسباب على الغير- ولكن يوكلسون الطبيب لم تنطلي عليه هذه الحيلة.
بعد ذلك بدأ يشرح الطبيب ل لوري الصفات التي ذكرتها في الفقرة السابقة مثل أنه لا يحترم أحد، في حين أنه يجب على الكل احترامه إلى اخره.
لاحظ معي أن يوكلسونلا يعرف شيء عن ماضي لوري، الإ أنه تعمّق كفاية في هذا العقل ليدرك الصفات المشتركة بين المجرمين، بعد ذلك وجه سؤاله ل لوري قائلا: هل أنا اصبت في تشريح شخصيتك؟
فهز لوري رأسه بنعم، أظن أن كل خطط لوري فشلت أمام من هو أذكى منه.
طبعا لوري لم يكن راضياً عن هذا الشخص الذي يقرأ أفكاره ويعرف شخصيته، ولكن هذه هي أول خطوة للطريق الصحيح وهي أن (تتعرف على نفسك).
بعد عدة لقاءات، بدأ الطبيب يوكلسونمحاولة إعادة بناء الطرق القديمة التي يُفكر من خلالها لوري، وهذا يحتاج وقت، لأن لوري تعود على هذه الطريقة الخاطئة لسنين طويلة وتغييرها يحتاج متابعة وتصحيح.
فمثلا فكرة أنك يا لوري ضحية .... خاطئة،
وأن الحياة تتآمر ضدك أيضا .......خاطئة، والصحيح أنك أنت من تختار بين الصح والخطأ.
لوري أيضا حاول أن يُنفّس عن مشاعره لطبيبه، ولكنه لم يهتم بها، لأن البرنامج التصحيحي هذا، ليس مبني على جعلك تشعر بشعور جيد، هو يصحح ولا يطبطب على كتفك، وهذا كان جديدا على لوري الذي اعتاد من أطباء النفس أن يواسوه.
بعد فترة بدأ جمع الطبيب لوري مع أشخاص في مستويات متفاوتة من البرنامج، ليُشاهد بنفسه ان التغيير حقيقة وليس وهم.
في هذا الاجتماع بدأ كل مجرم منهم يقرأ تقرير عن الأفكار التي مرت عليه خلال ال 24 ساعه الماضية، والأفكار كانت حول الممرضات في المستشفى، حول الأهل، أو عن أفلام العنف التي شاهدها على التلفاز.
بعد ذلك يُركَّز النقاش على فكرة واحده، تُحلَلَ، وبعدها يُخبرهم الدكتور بالخطأ الذي حصل في التفكير ويُصححه ليستفيد الكل.
في أحد اللقاءات ناقش أحد المجرمين الدكتور بصوت عالي وفضّ، فصرخ لوري قائلا له: (الطبيب يعرف عن ماذا يتحدث، من الأفضل أن تستمع بشكل جيد)
في هذه اللحظة توقع لوري أن يبتسم له الدكتور ويرضى عنه، الإ أن الصدمة أن الرد منه على لوري كان: الهدف من هذا الاجتماع ان لا ننتقد أحدا ونحكم عليه، ونحن هنا نتعلم من بعض، فكان هذا درساً جديدا للكل.
كتب لوري في أحد التقارير أن أحد العاملين في المستشفى عرض عليه ايصاله من الملعب إلى سكنه، فوافق لأنه سيمر بجانب البقالة، وصل هناك، اشترى بيرة وشربها بشكل سريع وعاد إلى غرفته، عندما أخبر الدكتور بذلك كانت ردة فعله وكأن لوري قتل قتيل!
طبعا لوري يرى أن الموضوع عادي، فكل الناس يتسحّبون في الخفاء ويكسرون القوانين، وأن الناس ليسوا كلهم حكماء، وأنه ليس الأول ولا الأخير، وهنا مكمن الخطأ في التفكير، وهذه النقطة بالذات ستكون محور النقاش لهذا اللقاء.
بدأ الدكتور يعلق ويقول في البداية: أنت تعديت على قوانين المستشفى، وتعديت أيضاً على قوانين هذا البرنامج!
فأنت غادرت بدون استئذان وشربت الكحول بدون إذن.
وأخطأت حين استثنيت نفسك من هذه القوانين، وهذا يُعيدنا إلى نقطة (التميز والتفرد)، والمشكلة هي ليست أنك شربت الكحول ولكن هي في أنك وضعت لنفسك استثناءات، ومع الوقت ستتفاقم لتصل الى جريمة، فهذه البيرة الواحدة هي أول الطريق لعدة أكواب ثم كوكايين ثم نساء ثم جريمة.
طريقة يوكلسون فريدة في تعاملها مع الإجرام، فهي لا تعاقب السلوك نفسه، بل هي تَعود لأصل المشكلة وتصحح ذلك لينعكس على سلوك الفرد.
البرنامج فيه تحدي كبير، لأن نمط التفكير هو جزء من تكوين الشخص، ومع ذلك لوري بعد فتره من البرنامج، تحسن وضعه للأفضل وأصبح يبحث عن وظيفة ويستقر ليعيش حياته كإنسان مسؤول!
(موسيقى)
أردت في هذه الحلقة أن أٌلقي الضوء على ظاهرة الإجرام، لما لها من تأثير على رُقي الإنسان وتحضره.
فالحكومات اجتهدت ولازالت تحاول إيجاد حلول لهذا السلوك، ولعل أضعفها هي السجون.
برنامج يوكلسون هو مُقترح مفيد وقابل للتطوير والتعديل.
وكل ما نحتاجه في هذه المرحلة، هو فهم العقل الإجرامي فهم عميق وعلمي، ليتسنّى لنا حله بناءً على هذا الفهم.
إلى هنا أصل إلى نهاية الحلقة، اذكركم كالعادة بالاشتراك البودكاست ونشره.
يوجد للبودكاست حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي كالتويتر، فيس بوك، ويوتيوب، تابعوا الحسابات لتعرفوا المستجدات.
عنوان الكتاب سأضعه في المرفقات لمن يريد أن يقرأه، فهو كتاب ثري ومليء بالقصص عن عالم الإجرام وسلوك المجرمين.
كان معكم نايف ناجي
اترككم بخير!
Kommentare