هل يوجد بالفعل إنسان منطقي وآخر عاطفي ؟
ما الفائدة الحقيقة من العواطف والمشاعر ؟
وسؤالنا الأهم كيف يبني الدماغ هذه العواطف ؟
في تمام الساعه السابعه مساءاً ، عادت كارولين من العمل متجهة إلى منزلها مشياً على الأقدام ، فمنزلها لا يبعد إلا ربع ساعه عن مقر عملها ، وهي في طريق العودة ، رأت رجل كبير في السن من المشردين ملقياً على الأرض وبجانبه زجاجة الكحول التي تشبع بطنه وتحمي جسمه من برد الشتاء ، عندما شاهدته في هذه الحالة حاولت مساعدته سائلةً : هل أنت بخير ؟ هل تريد طعام ؟ أجاب بصوته المبحوح : نعم أريد أن أأكل ، أشارت إليه بالإنتظار ، وذهبت إلى أحد مطاعم الأكلات السريعة وأحضرت له وجبه، وغادرت وفي قلبها شيء من الحزن .
وصلت المنزل وفتحت الباب ، وأمام الباب كان طفلها ( سميث ) ذو الخمس سنوات ينتظرها ، ابتسمت ، حضنته وقبلته ولعبت معه قليلا ، ثم تحايلت عليه ليستحم .
بعد ذلك أعدت له ولها طعام العشاء ، وأكلا في جو لطيف يتخلله قصص سميث الطفولية التي حدثت له خلال يومه في الروضة ، بعد أن انتهى من قصصه ، نظرت إليه أمه بحب وقالت : لدي مفاجأة ، سنذهب يوم السبت إلى الحديقة ، كاد أن يطير من الفرح وقال : ماما أنتي أحلا وحده وقبلها ، ولو أن فكرة القبلة لا بأس بها إلا أنها تركت أثارها على وجه الأم بشكل مضحك !
أتي يوم السبت ، اليوم الموعود وذهبا إلى الحديقة العامة لقضاء بعض الوقت وتناول الغداء في الخارج .
أثناء لعب سميث تعدّ عليه طفل آخر وأخذ مكانه في أحد الألعاب ، فضربه سميث على رأسه وبكى ، حينها تدخلت أم الطفل الآخر وأصبحت تصرخ في وجه سميث ، رأت ذلك كارولين فاشتطات غضباً لما فعلته تلك السيده ، وأصبحت كما يقولون لا ترى أمامها وكل ما تريده هو حماية إبنها .
تدخلت الشرطة وبشكل ودي انحلت المشكلة .
بعد هذه القصة البسيطة والتي حاولت أن أكون فيه كاتب قصص ، ويبدوا أن الموضوع لم ينجح كثيرا ، أود أن أركز على بعض الأحداث :
الحدث الأول إشفاق كارولين على المتسول في الشارع
الحدث الثاني عندما ابتسمت لرؤية طفلها وحضنته وقبلته
الحدث الثالث غضبها الشديد لأجل إبنها
من هذه الأحداث سنحاول أن نستخلص الفائدة من العاطفة عند الإنسان .
فالشفقة التي اتضحت على تصرفات كارولين في القصه ، هي تلك العاطفة التي تجعل الإنسان إنسان بالمعنى الحقيقي ، فهو يتأثر بمن حوله من بشر أو حتى حيوان ، وعالم بلا شفقه سيكون بالتأكيد جحيماً أما الحب فهوالوقود الذي يعطي معنى للحياة فعندما تحب تتعلم التضحية والعطاء وعندما تنحب يُخلق معنى لوجودك
الغضب كذلك مفيد عندما يوضع في مكانه الصحيح ، ولو أن ظاهر الغضب الشر إلا إن الإنسان عندما يغضب كما حدث لكارولين – فيصبح الهدف سامي وهو حماية من نحب .
عندما درس العلماء العواطف لدى الإنسان وجودوا أن المناطق الخاصة بها هي مناطق قديمة على مقياس تطور الدماغ الزمني .
والكثير من الحيوانات لديها نفس المناطق ولذلك تُستخدم لغرض الدراسة في هذا المجال .
سأقسم الدماغ إلى ثلاث أقسام حسب الأقدمية في التطور ، أقدم جزء هو جذع الدماغ ( أو ما يسميه بعض العلماء بدماغ الزواحف ) وسأذكر السبب لاحقاً لهذه التسمية .
في نهاية جذع الدماغ بداية الحبل الشوكي في خلف الرأس ، يهتم هذا الجزء بالعمليات الحيوية الأساسية لبقاء الكائن الحي على قيد الحياة ، كالتنفس ، تنظيم ضربات القلب ، ضغط الدم ، الوعي وغيرها .
وهو يعتبر هو الأقدم .
مع الوقت تطور الجهاز الحوفي وأجزاء قريبه منه كالثالاموس والهيبوثلامس وغيرها ، ومكان هذه النوايا في الوسط ما بين القشر الدماغية ، وجذع الدماغ .
أما أقرب تطور زمني وصل له الدماغ ، هو ظهور ال نيوكورتكس القشرة المخيه الحديثة ، الجزء الأول من الكلمة نيو تعنى جديد وكورتكس قشرة دماغية .
مع تطور النيوكورتكس وصل الإنسان لمرحلة متقدمة جعلت له خصائص تميزه عن باقي الحيوانات كالتفكير المعقد ، الإبداع وتكوين شخصية وطموحات وأنواع معقده من المشاعر .
وهنا أود أن أنبه أن تطور الدماغ لم يبدأ بجذع دماغ فقط ثم تطورت الأجزاء الباقيه ، وإنما كانت الأجزاء الأخرى موجودة ولكن بشكل أبسط إن قارناه بعقل الإنسان الحالي .
أما يخص جذع الدماغ فالحيوانات البسيطة كالزواحف لديها جذع دماغ وتتشارك مع الإنسان في الأقدميه ومن هنا جاء سبب تسمية العلماء لجذع الدماغ ( بدماغ الزواحف ) ، ولأن الحيوانات أيضا لديها ليمبك سستم جهاز حوفي ونوايا أخرى حوله ساعد كثيرا في البحث العلمي وجعل الفرضيات تنزل إلى عالم النظريات ليدرس الدماغ في المختبرات .
يظل شيء واحد قد يميز الإنسان عن بقية الحيوانات وهو النيوكورتكس ، القشرة المخية الحديثه !
وقبل أن أنتقل إلى النقطة التالية ، سأحاول تقريب الصورة لمن لم يرى أي دماغ من قبل ، تخيل معي الكمثرى (هذه الفاكهه ) ، في رأسها يوجد عود صغير ( بقايا الغصن ) شكله يشبه امتداد الحبل الشوكي ، ولو أن الحبل الشوكي طويل في الواقع ولكن لتصل الفكرة فقط، فوق العود الصغير يوجد إنتفاخ صغير ، اللي هو (بداية الفاكهه ) هذا الجزء هو بمثابة جذع الدماغ ، أما الجزء الأكبر المنتفخ ( قاعدة الكمثرى ) فهو يعتبر القشر الدماغية ، بقي لدينا البذور في الداخل ، ومكانها يشبه مكان الجهاز الحوفي والمناطق المجاورة له .
عندما نريد أن نتحدث عن العواطف لابد أن نذكر أنواع المشاعر الأساسية ، وقدم عالم النفس كارل إيزرد أنموذج وصف فيه العواطف العشر الرئيسية وتكون منذ ولادة الإنسان وهي :
الفرح ، الاهتمام ، الدهشة ، الحزن ، الغضب ، القرف ، الازدراء ، الخجل ، الخوف والذنب
بعض العلماء يعتقد أن الحب يجب أن يُصنف كشعور أساسي ولكنّ إيزرد رد بأن هذه المشاعر وغيرها هي فقط مزيج مألوف من العواطف العشرة الأساسية .
هناك أيضا من علماء النفس من يستخدمون نموذج ذو بعدين ليصفون العواطف ، وطريقته كالتالي :
تخيل معي علامة الموجب أو الزائد في الرياضيات ، في الخط المستقيم في الأعلى وضعوا الأثارة في أعلى مراحلها ، وفي الجانب المقابل وضعوا الإثارة في أقل مستوياتها ، هذا ما يخص الخط المستقيم ، أما الخط الأفقي من علامة الموجب جعلوا على اليمين
قيمة إيجابية أو تكافؤ إيجابي ، وعلى اليسار عكسها قيمة سلبية
الآن لنضرب مثال لنفهم أكثر ، فمثلا عاطفة الفرح أين سيكون موقعها ، بحسب هذا النموذج فالفرح يقع بين الأثارة في أعلاها والشعور الإيجابي جهة اليمين يعني بيكون بين ضلع الإثارة العالية وضلع القيمة الإيجابية .
الحزن مثلا مكانه في أدنى مستويات الإثارة ، ومتجه للقيمة السلبية جهة اليسار .. وهكذا أي شعور نستطيع بمعياري الإثارة والقيمة أن نصنفها .
البعض أضاف بُعد آخر وهو زمن العاطفة ، هل كانت في الماضي أم في المستقبل ، وعلماء آخرون صمموا نماذج أخرى، ويكفي أن نفهم الفكرة الأساسية من هذه النماذج .
( فاصل )
بدأت المحاولات المعاصرة لفهم العواطف والمشاعر في عام 1890 عندما سأل ويليم جيمس المؤسس لعلم النفس الأمريكي سؤاله المشهور :
ماهي طبيعة الخوف ؟
هل نركض من الدب لأننا خائفون ؟ أم نحن خائفون لأننا نهرب ؟
الإجابة في ظاهرها بسيطة ، نحن نهرب لأننا خائفون
ولكن رأي علم الأعصاب يختلف وإجابته :
فنحن خائفون لأننا نهرب ، فالهرب كان قبل الشعور بالخوف .
والفكرة تكمن في أن العاطفة أسبق من الشعور نفسه .
وأكيد السؤال اللي بيجي على بالك ، ماهو الفرق بين العاطفة والمشاعر ؟
كلمة ( ايموشن ) بالإنقليزي ، هي : العواطف : وتعني التغيرات التي تكون ظاهره على جسم الإنسان ، ويقصد فيها أيضاً التغيرات الفيزيولوجية داخل وخارج الجسم .
أما كلمة ( فيلنقز ) ، وترجمتها : مشاعر : فهي حالة الإدراك لوضع الجسم على المستوى البدني والعقلي ، هذا الإدراك هو تجربة شخصية بحته لا يخوضها غير صاحبها ، ومرتبطها بالوعي ، ولأن الإنسان واعي بنفسه فهو أيضا صاحب تلك التجربة الحسية الفريدة .
ماذا عن الحيوانات ؟
الحيوانات لديها عواطف ، ولكن لا يوجد لديها مشاعر ، والسبب أنها تفتقد للوعي والذي يعتبر هو الأداة للوصل للمشاعر .
أغلب العواطف نستطيع أن نلاحظها بشكل مباشر كتغير ملامح الوجه و السلوك ، وهناك أيضا ما نستطيع أن نلاحظه بشكل غير مباشر عن طريق الإختبارات النفسيه ، وعن طريق الاختبارات الفسيولوجية العصبية ، أو حتى فحوصات للغدد الصماء .
لذلك نستطيع أن نقدّر وندرس العواطف سواءا في الإنسان أو الحيوان .
أما المشاعر فهي أصعب بكثير ومحاولة قياسها ودراستها يعتبر تحدي ، والطريقة تعتمد فقط على الممارسة الإكلينية العملية و محصورة فقط في الإنسان .
قدم ويليم جيمس أيضا نظرية شرح فيها بطريقة بسيطة كيف تصنع العواطف و المشاعر
وجود محفز عاطفي في الخارج يخلق إشارة عصبية ، تنتقل إلى منطقة الحس في الدماغ بعدها تنتقل إلى المنطقة الحركية ( وخلال مرورها يكون الإحساس قد تكون ) ، والأمر الحركي الناتج ( اللي هو ردة الفعل ) يكون هو ما أسميناه بالعواطف .
هذه النظرية بلا شك صحيحة في شكلها العام ، ولكن تحتاج إلى تفاصيل أكثر ، ولأنه في وقته كان يُعرف القليل ، لم تكن النظرية مفصله ورصينه .
في بداية القرن العشرين وجد الباحثون أنه حتى لو استئصلنا القشر الدماغية من الحيوان ، يظل لديه ردة فعل عاطفية ، هذا سيجعلنا نتسائل :إذا أي جزء من الدماغ هو المحرك الرئيسي لهذا الخاصية ؟
عالم الأعصاب كانون ساعد في الإجابة ، حيث أنه أجرى دراسة عملية قام فيها بفصل مناطق عن مناطق وكتب ملاحظاته .
المنطقة التي تهمنا في هذه التجربة هي ( الهيبوثالامس ) أو ( تحت المهاد ) : وموجودة في منطقة الدماغ البيني في العمق من تحته جذع الدماغ ومن فوقه القشر الدماغية .
في شق التجربة الأول ، قام بقطع بشكل عرضي كل المناطق الواقعه أعلى من الهيبوثلامس ، بعد هذا الفصل أصبح دماغ الحيوان بدون قشر دماغية .
ووجود أن ردة الفعل العاطفية لازالت إلى حد ما سليمة .
بعد ذلك جرّب أن يقوم بقطع عرضي ولكن هذه المره تحت الهيوثلامس ليجد أن ردة الفعل العاطفيه اختفت
ومن هنا أمسكنا بأول خيط مهم من خيوط فهم العاطفة وهي دور الهيبوثلامس المهم في هذه العملية .
وخلاصة ما كتبه كانون : أن المعلومات الحسية تعالج في الثالامس ، بعد ذلك تُرسل إشاراتين واحده للهيبوثالامس و واحده إلى ( السريبرال كورتكس ) القشرة الدماغية .
التي وصلت إلى ( الهيبوثلامس ) تكمل طريقها إلى الإسفل متجهة إلى البرين ستم ( جذع الدماغ) و( السبينال كورد ) الحبل الشوكي ، وهذا الطريق سيُفعل الرد الفيزيولوجي للجسم ، ما اسميناه سابقا بالعواطف .
والتي تصل إلى السريبرال كورتكس ستكوّن المشاعر كنتيجة .
وقبل أن نكمل أود أن أوضح نقطة ، عندما أحاول نطق الأسماء التشريحية للدماغ بالإنقليزي ليس استعراضاً مني وإنما أريد أن نبدأ التعود على استخدام المصطلحات التشريحية كما تستخدم عالمياً ، وأنا متأكد بأن طلبة الطب وأي طلبة يتعاملون مع الدماغ وتشريحه يتعلمون هذه المصطلحات باللغة الإنجليزية أو اللاتينية إن صح التعبير ، ولو سألتني شخصياً قبل أن أبدأ البودكاست ، عن معنى المهاد لما استطعت أن أجيب لأنني تعودت على اسم الثالامس .
لذلك سنتفق أنه في أول مره أذكر فيها المصطلح سأذكر ترجمته ، بعد ذلك سنستخدم المصطلح الإنقليزية لتكون الفائدة أكبر .
نعود إلى موضوعنا .
بعد نظرية ويليم جيمس وأيضا كانون الذي فصل فيه أجزاء عن أجزاء أخرى ، أتى بعدهم العالم بابيز ، وسأحاول أن أبسط الدائرة العصبية التي تحدث عنها قدر الإمكان ، وفي النهاية سألخص النقاط الرئيسية للحلقة كاملة .
كما اتفقنا : المحفز يبدأ من الخارج وتستقبله الأعضاء الحسيه كالعين مثلا ، ومن ثم تعالج هذه الإشارات العصبيه في الثالامس ( وحاب إني أوضح أن الثالامس ينقسم إلى ثلاث أنوية رئيسية : نواة أمامية و نواتين على الطرف الأيمن والأيسر ) ، بعد أن تعالج الإشارة في الثالامس ، تنتقل إلى الهيبوثالامس ، من هنا ستعود الإشارة إلى الثالامس مرة أخرى وبالتحديد للنواة الأمامية ، لاحظ معي أن هناك مسار جديد لم أذكره من قبل ، عندما تستقر الإشارة العصبية في النواة الأمامية من الثالامس ستنتقل إلى مقر جديد يسمى ب سنقيوليت كورتكس ( القشرة الحزامية ) .
في منطقة السنقيوليت كورتكس ، يصنع الإحساس ولن تكتمل أضلع الإحساس إلا عندما ترسل القشرة الحسية السينسوري كورتكس إشاراتها .
وكأن الإشارتين اللي هي جايه من النواة الأمامية للثلامس والإشارة من السينسوري كورتكس ، إجتمعتا وانتجتا بعد هذا الإلتقاء ( الإحساس ) .
السينسوري كورتكس ، لم ينتهي عملها ، فبعد أن أدت واجبها وأرسلت إشارتها إلى السنقيوليت كورتكس ( كما ذكرنا ) سترسل إشارة أخرى إلى الهيبوكامبس ( حصان البحر ) .
والهيبوكامبس ، له روابط عصبيه مع الهيبوثالامس وبالتحديد جزء الماميلاري بوديز الجسم الحلمي ) وهنا تكون الدائرة العصبية قد إكتملت .
( فاصل )
استمرت الدراسات لكشف خفايا العاطفة ، وأحد التجارب المهمة التي تستحق الذكر تجربة عالمي النفس هينريخ كلوفر و بول بيوسي .
أرادو أن يلاحظوا التغيرات على قرد استئصلوا من دماغه الفص الصدغي وكتبوا ملاحظاتهم ، والتي شملت تغيرات سيكولجية ، وتغيرات أيضا في عاداته الغذائية ، فمثلا بدأ القرد يحاول أن يأكل أشياء ليست للأكل ، وأيضا سجلوا محاولاته لإقامة علاقات جنسية مع حيوانات أخرى لم تكن من نفس فصيلة القرود .
إضافة إلى ذلك فقدانه للخوف من الأشياء التي يفترض الخوف منها كالثعبان أو الإنسان .
وهذه الأعراض موجودة أيضا عندالمصابين بمتلازمة معروفة طبياً بإسم ( متلازمة كلوفر و بيوسي ) .
الآن سنتحدث عن أحد العواطف التي درست بشكل كبير في علم الأعصاب ، هذه العاطفة هي الخوف والسبب في تكثيف دراستها هو أهميتها في بقاء الإنسان ووجود بروتوكول ممتاز لدراسة هذه العاطفة عند الحيوان .
عندما يذكر الخوف تذكر منطقة الأمقديلا ( اللوزة ) ، وأريد أن أضيف أنها ليست فقط مركز للخوف بل أنها تتدخل في العواطف الإيجابية كذلك وسأوضح ذلك في المثال الثاني
سنبدأ بدور الأمقديلا في الإستجابة للخوف .
في هذه التجربة تم تعليم حيوان ردة فعل تجاه صعقه كهربائية ، وهي أنه عندما يبدأ الصعق يتجه هذا الحيو نحو مفتاح يشبه مفتاح تشغيل وإطفاء اللمبة ، عندما يضغط على المفتاح يقف الصعق ( طبعا الصعق لا يكون مميت وإنما صعق يجعل الحيوان يبحث لحل ) .
الآن كيف سنثبت أن الأمقديلا هي فعلا من كونت ردة الفعل والتعلم .
عند إتلاف الأمقديلا ، لوحظ أن الحيوان تعطلت لديه خاصية الخوف في التجربة وهذا دليل كافي لإيضاح دورها .
تتدخل الأمقديلا أيضا في معالجة ما يسمى بالعقاب أو المكافأة .
في أحد التجارب تم تدريب قرد على أن يربط صورة معينة مع مكافأة يحصل عليها ، وفي المقابل علموا أن يربط صورة أخرى مع عقاب .
بعدما تعلم هذا الربط ، قاموا بعكس المعنى بحيث أن قرنوا العقاب مع الصورة التي كان القرد قد ربطها مع المكافأة
مع هذا التغير وجدوا أن النشاط العصبي تعدل في الأمقديلا ، وهذا التغيّر حصل بسرعة كافية موازية لتغير الربط الجيد والسلوك المتعلّم .
الآن سنسافر خلال الجسم لنتعرف على التغيرات الفيزيولوجية التي ذكرناها وسنرى كيف أن الجسم سيكون في حالة طوارئ عند القلق أو الخوف أو سيكون في راحة إن لم يكن هناك أي تهديد
قبل أن نبدأ رحلتنا سأشرح تقسيم الجهاز العصبي اللاإرادي والذي ينقسم إلى قسمين متداخلين ويعملان مع بعضهما ، وكما نعلم أن الجهاز اللا إرادي يكون خارج عن سيطرة الإنسان فلا نستطيع مثلا أيقاف ضربات القلب ، أو أن نتحكم بضغط الدم في أجسادنا ، فهما يقعان تحت نطاق الأوامر اللإرادية .
الأوامر اللإرادية هذه إما أن تكون من خلال الجهاز العصبي الودي ( سيمباثاتك ) أو الجهاز العصبي اللاودي ( باراسامباثاتك )
يوصف الجهاز العصبي الودي أو السيمبثاتك بجملة ( المحاربة أو الهروب ) أما الجهاز العصبي اللا ودي الباراسمثاتك فيوصف ب جملة ( الراحة أو الهضم ) .
في الحالات التي يكون فيها الإنسان تحت ضغط نفسي يكون جهاز السمباثاتك هو من يقود الجسم .
لنعود لصديقنا الدب ، : لو شاهدت الدب قادم نحوك ،
هل ستحارب أم تهرب ؟
أكيد ستهرب ، طيب أي جهاز عصبي مسؤول عن الهروب ؟
السمباثاتك ؟ أو الباراسمباثتك
أنا متأكد الجميع جا في باله السمباثاتك لأننا اخصترناه بالهروب أو المحاربة
حال رؤيتك للحيوان المفترس القادم نحوك ، عيناك ستكون أول المسار ، ومن ثم الدوائر العصبية ستقوم بعملها كما شرحنا في السابق بمساريها الرئيسيين الأول ( سينزل للبرين ستم والسباينل كورد ) ، والآخر سيصعد سريبرال كروتكس ، ومن هنا سيُحفز جهاز سيمبثاتك ، ولا ننسى أيضا الغدة النخامية ( البيتورتي قلاند ) ، والتي ستفرز هرومونات التوتر .
هذه الهرمونات وجهاز السيمباثتك سيحفزان في طريقهم الغدة الكظرية ( الأدرينال قلاند ) لتبدأ في العمل أيضا مفرزة هرمونات ستقوم بمهمة الإستعداد : كالأدرينالين والكورتيزون وغيرها ، حينها حالة الطوارئ تكون قد أخذت مكانها وستبدأ بالهرب .
الدماغ سينشط وستكون حالة اليقظة والتركيز في أعلى مستواياتها
بؤبؤة العين ستتوسع لتسمح لك بالرؤية بشكل أوضح
التنفس سيتسارع والشعب الهوائية ستتمدد لتلبي حاجتك للأوكجسين
القلب سيبدأ ينبض بطريقة أسرع وأقوى لإيصال الدم للعضلات
العضلات في الأرجل والأيدي ستشتد لتصبح قوية لتركض أو لتضرب
حركة الأمعاء وإفرازاتها ستصبح بطيئة أوشبه واقفه ، ومن سيكون في مزاج جيد ليأكل في مثل هذه الحالة .
التعرق سيلعب دور مهم لإخفاض درجة الحرارة
الكبد ستفتح مخازنها لإنتاج الطاقة من جلايكوجين أو الشحوم
الكلى ستقلل من إنتاج البول
والجهاز المناعي سيتحفز لشفاء الجروح
في مثل هالحاله كما رأينا ردة فعل الجسم كانت مفيدة للنجاة ، ولكن قد تكون أيضا مهلكة لو أصبح التوتر أوالخوف بشكل دائم ومزمن .
فقلة الإفرازات الهضمية مثلا ستتسبب في تشنج القولون ، فإن كان الدماغ متوتر فالأمعاء ستكون كذلك ، ضغط الدم ومعدل النبض ومستويات الكوليسترول ستكون عالية ، فعندما يقوم الجهاز العصبي المتوتر بإعادة توجية طاقاته كلها للعضلات والدماغ فإن باقي الأعضاء تتعطل ومنها الكبد وهو العضو المسؤول عن تنقية الدم من الدهون والكوليسترول ، والتي ستتجمع حول القلب مع مرور الوقت .
أما ما يخص جهاز الباراسمبثاتك ، فعمله عكس عمل الجهاز الودي فهو يعمل خلال الراحة والهضم .
وهو حالة الرخاء والأمن للجسد إن صح التعبير .
( فاصل )
المشاعر يوجد منها البسيط والمعقد ، فالمشاعر المعقده مرتبطة بالمجتمع من حولنا ، وتتراوح ما بين الإحساس بالغير إلى الفخر والشعور بالخجل والذنب .
وهذه المشاعر التي تنعكس على شخصية الإنسان لها مناطق خاصة إن تأثرت تأُثر الإنسان وقد تصل به إلى مرحلة فقدان علاقاته الإجتماعية .
في علم الأعصاب هناك حالة مشهور لمريض يدعى ( فينس قايج ) هذا الشخص عمل كرئيس لعمال البناء للسكك الحديدية في أمريكا ، يتم ذكر حالة الغريبة بسبب أن بقائه على قيد الحياة لم يكن شيء محتمل فقد أصيب أثناء عمله بقضيب حديدي ضخم دخل في رأسه واخترقه ، ودمّر جزء كبير من الفص الجبهي ، وبعد الإصابة عاش ، ولكن شخصيته وسلوكه تأثرت بقيت حياته ، فأصبح مندفعاً ، ومضطرباً ولم يعد يتقيد بالأداب العامه المجتمعية حتى وصل للوقاحة وعدم الإحترام .
تلف منطقة البريفرونتال كورتكس ( القشرة الجبهية ) تغيّر التصرفات والسلوك : فمثلا الشخص المصاب لا يستطيع أن يبقى في عمل واحد ، وعلاقاته الإجتماعية تفشل ، ويميل هؤلاء الأشخاص لعدم إحترام الأداب العامة في المجتمع ، وعند سؤال هؤلاء المرضى عن القواعد العامة المجتمعية كانوا يجيبون بثقة ، وأنهم على معرفة بها ، وبعد مراقبتهم على أرض وجد أنهم لا يطبقون ما يعرفون ، والحقيقة أنهم يعرفون هذه القواعد عندما يسألون ، والمشكلة تكمن في عدم قدرتهم على الوصول إليها داخل الدماغ والسبب خلل المعالجة العاطفية لديهم .
وللتأكد أكثر وفهم مالذي يحدث ، عندما صوّرت أدمغة سليمة ، اكتشفوا أنه قبل إتخاذ
أي قرار يشتعل جزء صغير في البريفرونتال كورتكس ، مما يعني أن المعالجات العاطفية تتم قبل أن يتم إتخاذ القرار .
وهنا سؤال يفرض نفسه هل هناك أصلا أناس عاطفيون وآخرون منطقيون ؟
الإجابة لا ، فكما شاهدنا أن خلل العاطفة ينتج شخص لا يتخذ قرار صحيح
وسجلت حالات من من أصيبوا بجلطة دماغية ، فقدوا بعدها القابلية لتحديد ما يشعرون به ( فقد تساوا لديهم كل شيء فالمريض لم يعد يقول أحب هذا الشيء ولا أحب ذلك الشيء ) ومن هذا المنطق سيصبح هالمريض بلا هدف يسعى له ، وسيكون تصرفه ومنطقة مختلاً.
تلف منطقة البريفرونتال كورتكس محيّر لغياب العلامات الجسديه التي تبيّن وجود الخلل ، فمثلا لو تلف جزء من الفص الصدغي ( تمبورال ) سصيبح الشخص لديه صعوبة في التحدث وأعراض عصبية أخرى ، لكنّ من يصاب بتلف في البريفرونتال كورتكس غالبا ما يبدوا سليماً بشكل مبدأي
والملفت للإنتباه أن بعض الأشخاص المصابين بمثل هذا التلف قد يكون معدل ذكائهم فوق الطبيعي .
الدائرة العصبية لمثل هذه العواطف المعقده ، تشمل البريفرونتال كورتكس ولها مسارات عصبية مناطق أخرى مثل الأمقديلا الهيبوثلامس وبيري اكوا داكتال ريجيون .
( فاصل )
في هذه الفقرة سأحاول أن ألخص الأفكار الرئيسية التي تحدثت عنها ، وهذه الطريقة جديدة ولم أتطرق إليها في الحلقات السابقه ، وسأقوم بعمل ذلك في الحلقات القادمة ، لكي نراجع ما تعلمناه وتكون الفائدة كبيرة :
ملخص الحلقة :
1- العواطف تختلف عن المشاعر ، العواطف هي التغيرات الفيزيولوجية في الجسم ، بينما المشاعر هي التجربة الإدراكية .
2- العواطف الأساسية العشرة هي :
الفرح ، الاهتمام ، الدهشة ، الحزن ، الغضب ، القرف ، الازدراء ، الخجل ، الخوف والذنب
3- يشترك الإنسان مع الحيوان في العواطف ، ويتميز عنه بالمشاعر ، فالمشاعر خاصية بشرية
4- حاجتنا للعواطف حاجة أزلية فهي الأداة التي يستطيع بها الإنسان أن يقاوم تحديات الحياة
5- الجهاز اللإرادي ينقسم إلى الجهاز العصبي الودي ( سمبثاتك ) والذي اختصرناه بجملة ( الهروب أو القتال ) ، والقسم الآخرالجهاز العصبي اللاودي ( الباراسمبثاتك ) والمختصر في جملة ( الراحة أوالهضم )
6 – الإشارات العصبية عندما تصل للثالامس تنقسم إلى جزئين الأول يكمل طريقة للأسفل مرورا البرين ستم ( جذع الدماغ ) والسباينل كورد الحبل الشوكي ( لتتكون العاطفة ) والجزء الثاني يصعد إلى سريبرال كورتكس ( القشر الدماغية ( لتتكون المشاعر )
7- اتخاذ القرارات ليست منفصله عن المشاعر ، لذلك لا يوجد إنسان منطقي وإنسان عاطفي ، فكما شاهدنا وجود المنطق يستند على الإجراءات العاطفية .
8- بعد فهم أن السلوكيات الفضة والنزعة للمشاكل أصلها في بعض الأحيان تلف في البريفرونتال كورتكس ، هذا الإكتشاف قد يجعل فهم مثل هؤلاء المصابين أسهل ، وقد يساعدهم ذلك أيضاً أمام القانون .
أتمنى أن الحلقة أعجبتكم ، وأريد أراؤوكم فيما يخص استخدام المصطلحات الإنقليزية أو العربية لأن البودكاست منكم وإليكم ، كما أنني أسعد في تواصلكم معي على مواقع التواصل الإجتماعي ، فالبودكاست لديه قناة يوتيب ، تويتر، فيس بوك وأيضا ساوند كلاود وكلها بنفس الإسم ذا بريني برين بودكاست .
كان معكم نايف ناجي
دمت بود
Comments