top of page
Writer's pictureنايف ناجي

خُلقنا مسافرين.. لا مُستقرين



عندما أتخيل (إنسان الهومواركتس) بساقيه الطوليتين، وسرعته في الركض أتعجب من هذا البناء الذي يُسابق المكان.

كان بمثابة آلة بيولوجية متنقلة لا تفهم ما معنى الاستقرار.

كان دماغه يرى كل يوم طبيعة مختلفة، وحيوانات مختلفة، وأجواء متقلبة بين كل حين وحين.

ثم اذهب بعيداً إلى المستقبل لأرى البدو، وهم مستعدين متأهبين للانتقال بحثاً عن الماء والكلأ.

فلم يكن لهم وطن حقيقي إلا الأرض، وخيامهم البسيطة التي لا تُوّضح أبداً أن هذا الإنسان مُستقر،

فهو هنا مضطر اضطراراَ ألا يرتبط بالمكان.

-

كنت قد قرأت في علوم الأعصاب بقدر لا بأس به، ومررت على فكرة أن المشي في الغابات – كما أظهرت الدراسات – يساعد في تحريك الدورة الدموية وضخ الدم المؤكسد إلى الجسم، ويجعلك أيضا تتخذ قرارات صغيرة لأين مثلاً تضع رجلك، وكيف يجب عليك تحريك رأسك لتتجنب الغصن الذي قد يؤذي عينك، واكتشاف أماكن غير مألوفة تكّون ذاكرة جديدة وتنشطها،

-وأُضيف على ذلك- أنه يُريح النفس وينعشها.


في أوربا لاحظت عادةً في الشعب – التشيكي – أنهم في أغلب أيام اجازات الأسبوع، يمتطون الدراجات مع أطفالهم، ويذهبون ليغوصون في عمق الغابة.

تكون وجهتهم مثلاً قرية صغيره يتناولون فيها وجبة الغداء ثم يعودون أدراجهم.

هذا السلوك منعش وصحي جداً، فأنت هنا تمارس شكل مصغّراً من أشكال السفر.

التنقل أو كما نسميه في وقتنا الحالي (السفر) هو في ظني جزء ومكوّن أساسي في شخصية الإنسان وبناء فكره.

فأنت في السفر يكاد عقلك ألا يقف عن التأمل والنظر والانبهار، بل واستسقاء الأفكار والسلوكيات.

فالإنسان هو ابن بيئته في كثير من تصرفاته، فماذا لو كان مع الوقت ابن الأرض لا ابن مساحة صغيره؟

الإنسان يتعلّم بالتعايش أكثر من الكتب،

ولذلك لتبني مجتمعاً لا يرى نفسه (شعب الله المختار)،

يجب أن يرى الآخر ويتفاعل معه لتسقط مثل هذه الأفكار البسيطة.

المُختصر:

في ظني أن الأنسان في عمق تكوينه هو (رحّالٌ مسافر)، يقتله الاستقرار.

فكرة الاستقرار تجذب الروتين، والروتين قاتل.

إننا بحاجة للانبهار ولِإحداث مفاجاءات لإيقاظ الفكر والتأمل مره بعد مره.

البحر، الطبيعة، البشر والسلوكيات كلها دروس تأمّلية تُبهرنا وتفتح آفاقنا لتقبُل الآخر.


نايف ناجي

3.12.2021

89 views0 comments

Recent Posts

See All

Comments


bottom of page