كثيراً ما نسمع عن ال New year’s resolution
أي وعود أو قرارات السنة الجديدة بهدف تطوير الذات وتغييرها.
الغريب أنه قبل نهاية السنة تجد أيضا صور مضحكة عن كيف أن أغلب الناس فشلت في هذا التغيير الذي قرروه السنة الماضية.
وسؤالي هنا: ما الخطأ الذي ارتكبوه لكي ينتهي بهم المطاف في هستيريا ضحك على الذات، فالنُكت الشعبوية المنتشرة ليست للضحك دائماً، إنها بطريقة ما تشرح الحال وتُفسر شعور الناس، بنوع من السخرية السوداوية.
فعندما يفشل الإنسان فشلاً ذريعاً لا يبقى له الا الضحك كحيلة قديمة مُجدية.
في هذه الشذرات أنا لا أريد أن أُمارس الأُستاذية، أو أتمثّل بأسلوب الطبيب النفسي الذي سبر أغوار النفس.
ما سأطرح هو مختصر لأفكاري البسيطة أو البلهاء في أحيانٍ كثيرة.
وما سأقدمه هنا هو فقط إضاءات – قد – تُساعد في تحقيق وتطوير الذات، وقد لا تكون صالحة لك، وإن لم تُقنعك إرم بها جانباً وعش بطريقتك!!
الشذرة الأولى:
لسنا متشابهين...ولا مثاليين!
الإنسان بطبيعته يُحب أن يضع القوانين ليكسرها، ويُحب أن يضع قائمة لكيلا يفعلها، وهذه طبيعتنا، أن نتحدى ما يُفرض علينا، حتى ولو كانت هذه القوانين صنيعةُ أنفسنا.
لذلك ستجد أنك بعد وضعك للقائمة، ستحاول أن تتهرب، وستصنع منطق- جيد جداً- للإفلات منها في أي منعطف.
المشكلة أننا بهذه الطريقة -الأهداف أو الخطط- نزرع بذرة اللوم، والتي تنمو مع الوقت لتأكلنا نفسياً، لنفهم في النهاية أننا فاشلين وهذا ليس الحاصل بالضرورة.
الحياة هي معترك فوضوي جداً من الظروف الغير متوقعه، وإن كان لنظرية الفوضى مكان، فهي هنا أولى بالذكر، وهي تعني أن تغيّر في شيء بسيط يُحدث تغيراً كبيراً، ومن هُنا أزعم أن وضعنا لخطة أو قائمة هو هراء لأننا لا نعرف حقيقة ما لذي سيحدث مستقبلاً.
وأسلم طريقة هي وضع رؤية عامة نتحرك فيها بأريحية تامة، دون الخوض في التفاصيل اليومية أو الشهرية لهذه الخطة -اتركها تأتي بظروفها-!
وهذا لا يعني الفوضوية التامة، ولكن حاول أن تخطط شيئا عاما، مثل أن تحقق المستوى الفلاني من لغة ما، دون الخوض في تفاصيل شهرية تجعلك في تأنيب مستمر إن لم تقم بها، لتفقد في الأخير اللذة وتترك الأمر.. كن طيّباً مع ذاتك!
نحن لسنا متشابهين لنضع خططاً، فما يعمل مع غيرك ليس بالضرورة أن يعمل معك!
الشذرة الثانية:
يجب أن تُحب ذاتك أكثر من أي شيء!
لا يجب أن نلعب دور الضحية وتقديم الذات فداءً للغير، فالذي يُحبك سيسعد إذا التمس فيك حبك لنفسك، وبالتالي هذا الشعور – الحب - ينعكس على غيرك، لتشعر تلقائياً أنك تحب الآخر، فكل إناء بما فيه ينضح، وفاقد الشيء لا يُعطيه.
حب الذات ليست أنانية ولا تجبراً، فالحب وبالأخص حب الآخر لا يبدأ إلا منك.
حاول دائماً أن تُقدّر ذاتك، لأنه سيحدث أن تُواجه من يهزّ ثقتك بنفسك لكي لا يعيش جحيم فقدان الثقة لوحده.
الناس لا يعرفون من أنت حقاً، فأنت تعيش معك لـ 24 ساعة يومياً، وإخفاقك في شيء معين هو ظاهره يراها الغير، ليُطلق على أساسها سهام الحكم عليك، صدّقني أنت أعظم من ذلك بكثير.. وأفضل بمراحل.
كل ما عليك أن تكون أصيلاً.. وأن تكون أنت، وهذا يكفي!
الشذرة الثالثة:
استثمر في نفسك..
نسمعها كثيراً..
ففي روتين الحياة القاتل، يبدأ الإنسان في الذوبان في حياته دون أن يلتفت لعقله ونفسه.
استثمر في صحتك دون نادي رياضي، فهو التزام لا يُجيده الكثير.
استثمر في عقلك متى ما شعرت أنك في مزاج يسمح.
استثمر في الوقت الضائع، كالذهاب إلى العمل أو الانتظار، الأهم ألا تُلزم نفسك بشيء مُجدول، لأن المزاج في النهاية سيّد القرار، متى ما سمح مزاجك فافعل.
استثمر في روحك، كأن تمشي دون أي شيء في جيبك، اذهب إلى الحديقة ولا تفعل شيء، فقط استرخ، فهذا يُرخي اعصابك ويُنقّي روحك.. وإن لم يسمح مزاجك.. فامشِ مرة أخرى..
الاستثمار في الذات من أصعب المهارات، وكون أنك سمعت بها.. حاول ألا تنساها!
الشذرة الرابعة:
اقرأ أي شيء يقع بين يديك.
سبب عدم حُب القراءة في مجتمعاتنا أظنه بسبب ارتباطها بالدراسة المدرسية والحالة النفسية آن ذاك.
لم نفهم أنها طريقة للاسترخاء أو للإلهام.. أو حتى التسلية.
والمشكلة أننا عندما نقرأ يجب أن يكون في صلب تخصصاتنا.. وهذا خطأ فادح يقود للاعتيادية.
كثير من المبدعين تأتي أفكارهم من تخصصات بعيدة كل البعد عن مجالهم الرئيسي، فإن كنت تقرأ في تخصصك فقط، كيف ستأتيك فكرة إبداعية؟
إن الأفكار الصارخة في الإبداع وجدها أصحابه في مزيج بين أفكار من عالمين منفصلين، لتُدمج وتُصبح شيء يستحق النظر.
فاقرأ أي شيء.. وإن كنت لا تحب القراءة فاسمع كتباً صوتية، والأهم أن تفهم أنه لا يجب عليك أن تُنهي كتاباً بدأته، إذا لم تستلطفه كصديق ارم به في حاوية النفايات!
كن إنسانياً.. لتفعل الخير.
في تصوّري، الإنسانية والتفكير بها هي مرحلة متقّدمة جداً، فهي تسبح في فضاء غير مُتعارف عليه.
فنحنُ بطبعنا نميل لمن يشبهنا فقط، لتكون تصرفاتنا حمقاء.
الخير هو فضيلة في ذاته، ومن محاسنه أن يُضفي على الروح صفاءً وتصالحاً عظيمين.. فيقود إلى تطوّر في الذات،
والذات التي تُحب الآخر لن تؤذي أحداً، وستُقدم الخير تلقائياً
ما هو الطريق إلى الإنسانية؟
هو بتصغير الفوقية قدر الإمكان، وفهم شديد لمكنونات النفس ودوافعها، والتأمل في الصفات المشتركة بيننا.
فنحن في الأخير بشر وُلدنا بنفس الطريقة ومررنا بنفس المراحل، فلا أدري لماذا الإنسان يرى أنه أفضل من غيره؟
قد يتراءى لك أنك أفضل لمَالك أو لعلمك، لكن صدّقني كلها كانت صُدفة، صُدفة بحته، وظروف جعلتك كما أنت..
قد يكون شيء ورثناه من أسلافنا، فيجب أن تكون – عنصرياً – لتعيش في عالم يسوده الموت والحرب، ولكن ها نحن نعيش في زمن المدنيّة... وأرى أننا يجب أن نتدرب جيداً ونشعر بالآخر أو على الأقل نحاول، وأن نردم تلك الفجوة الغبية التي حفرناها فشكّلتنا طبقات بلا معنى.
في النهاية كل الأماني بعام جديد، نتطور فيه جميعنا للأفضل.
وكما ذكرت سابقاً.. لسنا متشابهين، لذلك هذه الشذرات لا تعنيني كثيراً، هي أفكار مرت من خلالي لا أكثر!
كل عام وانتم بخير
حرر 31.12.2021
نايف ناجي
Comentarios