top of page
  • Writer's pictureنايف ناجي

لعلك لستَ كما تظُن!


دائما ما أتساءل عن إدراكي لذاتي، ومدى صحة ذلك.

وقبل ما يقارب الست سنوات، طرأ على بالي سؤال – اكتشفت لاحقاً أنه مطروح من قبل-، السؤال هو: ماذا لو قابلتُ نفسي، هل سأعجب بي؟

قد تكون الإجابة سهلة وسريعة:

نعم بالتأكيد، ولكن مهلاً، ماذا لو كُنتَ شخصية عصبية؟ أو يغلب عليها سوء الظن؟ أو السذاجة إلخ.

هل حقاً ستُعجب بك؟

إن الإنسان لا يرى نفسه جيداً، وقد يعينه أصدقاؤه إن كانوا صادقين معه، فقد يُضخمون صفاتك لتنتهي إلى نرجسية غبية أو سيكسرون ذاتك لتُصبح ثقتك بك مهزوزة.

ولكن كيف نخلق شخصية متزنة تتأرجح بين حقيقة أنها لا شيء وأنها ذات قيمة؟

أنا هنا لا إجابة واضحة لدي، وإنما أتساءل بصوت مرتفع فقط، فلا تتفاءلوا كثيراً.


نعود إلى سؤالنا، ماذا لو قابلت نفسك؟

إن أول صدمة تعرضت لها هي إدراكي بأنّ (منّي الكثير)،

هي مثلها مثل الصدمة التي لا زال يعاني منها أغلب البشر وهي أننا لسنا مركز الكون.

انظر إلى الشخصيات العظيمة، فَقدهم كان كبير، ولكن النسيان تولاّهم، فصحيح أننا نذكرهم للحظات عابره،

ولكننا سرعان ما نكمل الحياة بعد ذلك.

وفيما تأملته ورأيته في حياتي، أدركت أن الإنسان يعيش في كون كامل من الوهم لا ينقطع عنه ولا ينفك.

فالشخص السيء لا يرى أنه سيء، كيف ذلك؟

تأمل معي:

إن اعتدت على رائحة جسدك فتأكد أنك لن تشمها، ليس لخلل في حاسة الشم لديك،

بل لأنك اعتدت عليها، وقد تقول أنا أشم رائحتي،

لأرد عليك قائلاً: أنت يا صديقي تسبح في ماء من العطور،

وما إن تختفي تلك الروائح الرائعة الكاذبة، فبلا شك ستشم نفسك، لكنك بعد ذلك ستعتاد عليك.

وأضيف على ذلك:

إن الإنسان الذي يعيش مع صفاته كل الوقت، هو بالضرورة لا يدرك رائحة سوء أعماله،

لأنه أعتاد عليها، وتأكد هنا أن منطق العقل المعوج والعاطفي يضفي منطقية وأسباب واهمه كنوع من التبرير الذي لا يهدأ.

فأنت لست بالضرورة طيّب كما تظن، وأخلاقك قد لا تكون ساميه كما رُوّج لك، قد يكون كل ذلك وهم مصنوع!

إن أوّل حبٍ لا ينساه الإنسان هو حبه لذاته، والذين يُحبهم، هو يُحبهم لأنهم توافقوا مع هواه،

وفي الغالب يعززون فكرته الجميلة به، ولكنّ حب الذات يأتي بلا أسباب أو أهواء، هو حب ذاتي محض.

قد تقول إن الإنسان يُقبل على الانتحار فكيف يحب نفسه إذاً؟

أقول لك: إن الانتحار هو تجلّي من تجليات حب الذات،

فأنت تُنهي حياتك لأنك وصلت لخلاصة أن سعادتك هي أن تُنهي حياتك من الشقاء أو غيره.

يظّل السؤال قائماً، كيف أعرف من أنا حقاً؟

لا أعرف تماماً، ولكن قد تكون الإجابة:

1. الوضوح: عوّد نفسك على طرح سؤالين مهمين وهما:

- لماذا فعلت ذلك؟

-لماذا لم أفعل ذلك؟

بهذه الطريقة أنت تُعيد تقييم أفعالك وأقوالك بشكل متكرر لتتطور وتفهم مسوغات صفاتك.

لماذا كنت جيداً مع هذا الشخص – مثلاً-؟

لماذا لم أقدم المساعدة لذلك الشخص؟


2. معرفة كيف يفسر عقلك الأمور:

في تجربة عالم الأعصاب ميشيل قازنقا، عرفنا أن الإنسان لديه دماغين وليس دماغ واحد (فص يميني، فص يساري) وبينهما عضو يعمل كالجسر يسمى بالجسم الثفني.


والفص الأيسر هو المتحدث الرسمي، فهو يعلّل الأسباب دائماً.

في تجربته درس مريض تم فصل الفصين عن بعضهما بعملية جراحية.

والسؤال هنا: ماذا لو استطعنا أن نُدخل معلومة حصرية فقط للفص الأيمن دون عِلم الفص الأيسر،

برأيكم ماذا سيقول المتحدث الرسمي (الفص الأيسر)؟

هل سيقول لا أعلم؟

بالطبع لا، فهو سيُوجد سبباً مختلقاً ليس حقيقياً وسيُجيب.

ومن هنا يجب أن نفهم أن التعليل وذكر الأسباب ليست دائماً مبنية على أسس صحيحة، بقدر أنها تكهنات – في غالبها -

والخلاصة:

أن منبع فهم الذات والشخصية هو نسبي في مجمله وقليل منه حقيقي.

وأنا وأنت في معترك حقيقي فلسفي عن ماهيّة الذات،

فالجملة الذهبية ليست " أن كل ما أعرف عني حقيقي ماعدا...”، بل "إن كل ما أعرفه عني وهم ما عدا..."


فهل لازلتَ تعتقد بأنك تعرف حقيقتك جيداً؟

وهل ستُعجب بك إن قابلت نفسك؟

.

.

مَن يدري!



نايف ناجي

حرر بتاريخ 15.4.2022











74 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page