top of page
  • Writer's pictureنايف ناجي

الحلقة الثالثة وعشرون - الذكاء بين الجينات والبيئات




أنا نايف ناجي، وهذا بودكاست ذا بريني برين

أهلا وسهلا بكم جميعاً في حلقة جديدة من بودكاست ذا بريني برين.

سنتناول اليوم موضوع مهم وجذاب للكثير من الناس، بل ولا يكاد أن يمر يوم دون أن نذكره وهو الذكاء.

سأحاول في هذه الحلقة مع كتاب عالم الاعصاب ريتشرد هاير the neuroscience of intelligence  علم أعصاب الذكاء، أن أُقدم بعض المفاهيم الجديدة وكيف استفاد العلماء في السنوات الأخيرة، من تطور تصوير الدماغ.

 فالان وكما تعلمون أصبحنا نستطيع أن نرى بالضبط ما لذي يحدث في نفس اللحظة اثناء قيام الشخص باختبار معين خلال التجارب، فأصبحت تفاصيل التفاصيل واضحة، فنحن نستطيع أن نعرف مثلا كثافة كل منطقة في الدماغ ونقارن بين الادمغة ونحاول أن نفهم الفروقات والأسباب.  

طبعا الذي دفعني بحماس أن أناقش هذا الكتاب هو خبرة المؤلف البروفسور هايير، فمن عام 1988 وهو يبحث في موضوع الذكاء، واستخدم الوسائل الحديثة مع مرور الوقت ليفهم أكثر وأكثر، ولا أخفيكم أن الكتاب حقيقة كبيراً جداً، ويحتاج لحلقات طويلة لتفصيله وشرحه، ولكن اكتفيت هنا بلماحات سريعة، تُفيد غير المتخصص، وفي نفس اللحظة لا تجعل من هم قريبين من مجال الاعصاب يخرجون بلا فائدة تذكر، فهيا بنا يا أصدقائي لنبدأ

(موسيقى)

ما هو الذكاء؟ بل ما هو تعريفه الدقيق؟

قد تكون في يوم من الأيام تتصفح الانترنت أو تشاهد على التلفاز بعض الحالات النادرة لأشخاص يستطيعون القيام بأشياء لا يُصدقها العقل، فمثلا المصابين بمتلازمة تسمى بمتلازمة الموهوبين، يقومون باشياء لا يصدقها العقل، فهم أناس استثنائيين، فلدينا مثلا شخص يُدعى kim Peek يستطيع قراءة الكتب بمجرد النظر للصفحة وعمل سكان سريع، ويستطيع حفظ كميات هائلة من المعلومات، فقد تم عدّ الكتب التي حفظها وكانت ما يقارب ال 7600 كتاب.

 الغريب في الموضوع أننا لو أجرينا عليه اختبار ال IQ فسنجد أنه منخفض لديه، فهو لا يستطيع حتى أن يعتني بنفسه ولم يسبق أن حصل على وظيفة.

إذا هل هذا الشخص ذكي؟ أم بماذا نُصنفه؟

في الحقيقة مثل هؤلاء الأشخاص لديهم فقط مهارة معزولة يكونون بارعين فيها، وإذا أردنا أن نصنّفهم على أنهم أذكياء، فيجب أن نقف قليلاً ونتمهّل ، فكيف اسمي شخص ذكي إذا كان لا يستطيع حتى أن يقوم بأبسط الأعمال اليومية، والتي قد يقوم بها طفل في عمر العشر سنوات .

 

 

إذا ما هو الذكاء؟

في الحقيقة أن الكثيرين حاولوا أن يُعطوا مفهوما واضحا للذكاء، ويضعوا له حدود معينة، وأفضل من قام بتعريفه هي عالمة الاعصاب Lind Gotrfredson  وعرّفت الذكاء بالتالي:

الذكاء هو القدرة على التعامل مع ما حولنا، وأن نصنع معنىً للأشياء، ونعرف ما يجب علينا عمله، ويشمل ذلك أِشياء متنوعة كالقدرة على التفكير، وضع الخطط، حل المشاكلات وكذلك القدرة على وضع مفاهيم للأفكار المعقدة، والمهم أيضا هو أن الشخص يستطيع أن يتعلم بسرعة ويتعلم من تجاربه.

إذا الذكاء هو القدرات العقلية العامة – وركز هنا على كلمة العامة- والتي نستطيع من خلالها التفاعل مع المحيط بذكاء، التعلم منه بسرعة، والتفكير. وهذا يقودنا لـ اختبار IQ  أو النتيجة التي نحصل عليها عندما نقوم بعمل اختبار الذكاء، فكل شخص لديه IQ  أي نسبة ذكاء.

اختبار ال IQ هو عبارة عن محصلة من عدة اختبارات وليس اختبار واحد، ويقوم بقياس الذكاء العام.

وفي الحقيقة أن هناك تشكيكات متناقلة حوله، فيُقال بأنه اختبار غير دقيق وفيه تحيّز، ولم يتغافل المؤلف عن هذا ووضح بعض النقاط المهمة.

هناك أشياء قد تؤثر على دقة الاختبار، فمثلا عندما يكون الشخص مريضاً فمن المنطقي أن تكون درجته في الاختبار متدنية، وستختلف عندما يكون في صحة جيدة، ولكن مثلاً الوضع الاقتصادي، جنس المُمتحن وعرقة لا تؤثر على صحته.

 فالاختبار ليس وليد اللحظة وأثبت فاعليته في الواقع، فعلى مرّ السنين الطويلة والعلماء يستخدمونه في دراسات كثيرة ومختلفة ولم يُخيب الظنَ، لأنه دائما ما لُوحظ وجود علاقة جيدة بين نتيجة اختبار ال IQ  مثلاً، والنجاح الاكاديمي وكانت النتائج إيجابية لصالح الاختبار.

 في السنوات الأخيرة مع دليل صحة التنبؤ بالمستقبل، أي بمستقبل من يحصل على درجة عالية في اختبار الـ IQ  ، ظهرت أدلة جديدة، فقد تم اثبات أن الذكاء يقابله نشاط في تواصل بين منطقتين تُسمى بالـ Parieto-frontal  فنشاط هذه المنطقة – مع مناطق أخرى- يكون فيهيا مُلاحظ عند من يُحرزون نقاط عالية في الاختبار، إذا حتى على مستوى تركيبة الدماغ نستطيع أن نقول أن اختبار الذكاء يتماثل مع ما نلاحظه في تصوير الدماغ ونشاطه ( نسبة النشاط سنتحدث عنها لاحقه في الحلقة).

عموما فهذه الأدلة كالتنبؤ وتناسق النتيجة مع نشاط الدماغ، يجعلنا نميل إلى فكرة أن اختبار ال IQ  هو أفضل اختبار نعرفه، وبالتأكيد لا يوجد اختبار مئة في المئة صحيح وغير متحيز.

السؤال الآخر، كيف يعمل الاختبار؟

الاختبار يقوم بالمقارنة بين درجات الممتحنين ويقدم نسبة وتناسب بينهم، فهو ليس مقياس كمّي، فمثلا عندما أقول بأن طولي 170 سم فذلك يعني وحدة طول ثابته، أما بالنسبة لاختبار ال IQ  فعند ذكر نتيجتي فيه، فهي نتيجتي بالمقارنة مع كل من أدّى الاختبار.

 توزيع درجات ال IQ  في المجتمع تخضع للتوزيع المعروف ب bell curve  وهو يعني أن درجة المئة تكون في المنتصف، ومتوسط درجات الناس ما بين ال 85 إلى 115 يعني في المنتصف المعتدل، ما فوق ال 115 تبدأ الفروقات تظهر، فمثلا من يحصلون على درجة 130 فهم يُمثّلون فقط 2% من البشر، أي أصحاب الذكاء المرتفع. وفي المقابل من يُحرز 55 فهو يعتبر من أقل الناس ذكاء ويمثلون نسبة 2% يكونون في الطرف المنخفض، إذا الفكرة التي أريد ايصالها أن من يحصل على 140 نقطة لا يعني أنه اذكى بمرتين ممن يحصل على 70 وإنما يعني: أين موقع هذا الشخص بين أفراد المجتمع من ناحية الذكاء.

هذا الذكاء العام أو ما اسميناه ال IQ  هو بلا شك ينعكس على الشخص ومستقبله، وينعكس أيضاً على سهولة التقاطه للمعلومات وفهم الأمور من حوله.

ومن الأشياء المهمة جداً وتعتبر نقطة مركزية عند المؤلف هو أن القدرات العقلية المختلفة ليست منفصلة عن بعضها البعض، ولدى هذه القدرات عامل مشترك أسماه بال general intelliegence factor  أو  g-factor  ، فماذا نعني بالعامل المشترك؟

عدد الاختبارات في اختبار ال IQ  هو 15 اختبار، كل ثلاثة اختبارات منهم تَجمعهم مهارة عامة، وهي خمسة مهارات أساسية ، وتُوزع كالتالي : المفردات اللغوية، سرعة التحليل، الذاكرة، المهارة المكانية والتفكير.

الملاحظة كانت كما ذكرت أن نتائج هذا المهارات متشابهة، فلو حصل شخص على درجة 80 % في قسم المفردات اللغوية، فالنتيجة ستكون مُقاربة لها في جميع المهارات الخمس، هذا الاشتراك في النتيجة يسميه المؤلف ب g-factor  أي العامل المشترك.

وقد تشاهد ذلك في حياتك اليومية، فقد تعرف بنفسك شخصاً مبدعاً في أكثر من مجال، فقد يكون شاعر ومهندس ورسام ولديه مهارات أخرى، وهذا يُبين لُب فكرة العامل المشترك، وهي أن القدرات العقلية غالباً ما تكون متساوية في الارتفاع والانخفاض.

هذه النقطة بالذات تُخالف السائد: بأن الشخص لا يجب أن يتحدث الا في تخصص معين، بل على عكس ما يتداوله الناس فمقولة (صاحب مهنتين كذّاب منتشرة، وهُنا نقول العكس فصاحب أكثر من مهنة غالباً صادق) لان العامل المشترك في الذكاء متقارب في المهارات العقلية المختلفة. لا اريد أن اطيل عليكم ولكن قراءة سيرة ابن سينا مثلا ستُدهشك، فهو عالم مبدع برز في أكثر من مجال وأنجز فيها.

اختبار الـ IQ يتكون من المهارات التي ذكرتها في السابق، المفردات اللغوية، سرعة التحليل، الذاكرة، المهارة المكانية والتفكير.

النقطة التالية هي أن اختبار ال IQ قد يتأثر بالبيئة، فكثرة التدرّب على هذا النوع من الاختبارات قد يُحسن الدرجة، ولكن بالنسبة للعامل المشترك فهو في الغالب جيني ولا يتأُثر كثيرا بالبيئة.

دعونا نعود إلى أصحاب متلازمة الموهوبين؟

بالفهم الجديد الذي ذكرته، فهؤلاء المصابين لديهم مَلكة عقلية معزولة عن باقي الملكات العقلية. فالعامل المشترك أو الجي الفاكتور لديهم يعاني من نقص شديد إن لم يكن معدوماً، ولهذا تساءلت معكم في البداية هل هم فعلا يُحققون تعريف الذكاء الذي ذكرناه سابقاً؟ الإجابة لا.  

(موسيقى)

دعونا الان نلقي نظرة على أنواع الذكاء بشكل عام.

يُقسم الكتاب الذكاء إلى نوعين، طبعا هذا لا يعني أن كل شخص لديه نوع واحد منهم، لا، فلدى كل شخص منّا هذا النوعان من الذكاء، ولكن قد يتميز أحدهما على الاخر أو قد يكون متعادلين.

هناك ما يُسمى بالذكاء السائل (Fluid intelligence): ويعني القدرة على حل المشكلات الجديدة باستخدام الحقائق والمعلومات التي تعلمناها. ومن أشهر الأمثلة على ذلك هو ذكاء ألبرت أينشتاين، فقد كان لديه القدرة على استخدام المنطق لحل المشكلات الجديدة، وهذا النوع من الذكاء يصل ذروته تقريبا في عمر الخامسة عشرة ثم يبدأ مع الوقت في الانخفاض.

النوع الثاني من الذكاء هو الذكاء المتبلور (Crystallized intelligence): ويعني القدرة على تعلم الحقائق واستيعاب المعلومات، فعلى سبيل المثال، طالب الطب يجب عليه أن يتعلم الكثير من المعلومات لذلك هذا الذكاء مهم بالنسبة له، طبعا بضرورة الحال سيحتاج أيضا للذكاء السائل، ليحل المشكلات التي سيواجهها. هذا النوع من الذكاء يميل إلى أن يكون ثابت ومع تقدم العمر يبدا في التدهور.

هذان النوعان من الذكاء متواجدان ضمنياً في التقسيمات الخمس التي ذكرناها سابقاً.  

وقبل أن أنتقل إلى الأدلة والدراسات العلمية التي تخص الذكاء وعامل الذكاء المشترك، هناك نظريات لا تعتمد على فكرة العامل المشترك في الذكاء.

هذه الطريقة في فهم الذكاء، يهتم بها غالبا علماء النفس، ومن أشهر نظرياته نظرية Strenberg’s للذكاء العملي، حيث أنه يٌقسم الذكاء إلى ذكاء تحليلي، ذكاء إبداعي وذكاء عملي.  وهذه الانواع من الذكاء يمكن تدريسها وتعليمها، واعتُمدت في المدارس وابدت نتائج واعدة وجيدة، ولكن حسب ما ذكر المؤلف فنحن لا نملك حتى الان معلومات كافيه.

نظرية أخرى تسمى ب Gardner’s theory of multiple intelligence وأشهر من مشى فيها هو العالم الشهير فرويد وقسّم الذكاء إلى أنواع عديدة، منها الذكاء اللغوي، الذكاء المنطقي الرياضي، الذكاء الموسيقي والذكاء الرياضي وغيرها.

دعونا نعود الآن إلى الدراسات التي تمت في مجال الذكاء.

أهم دراسة هي دراسة البروفسور تيرمان من جامعة كالفورنيا وبدأت سنة 1920 وكان عدد المشاركين فيها من الطلاب حوالي 1470 طالب، معدل ال IQ  لديهم مرتفع أي ما بين 135- 196 وهم يمثلون 1% من البشر. هذا الدراسة تبحث في خصائص هؤلاء الاذكياء وما يُميزهم، بحيث يتم فحصهم فحص شامل ودوري كل 7 سنوات.

 طبعا وجدوا نقطة هامة وهي أنهم لم يكونوا أصحاب سلوك غير عادي أو شاذ، بل كانوا ناجحين جسديا وعقليا ومستقرين عاطفين، ومنهم من ألّف كتب في الشعر وغيرها، وقد شغلوا أماكن مرموقة في الوظائف، طبعا كان تيرمان – العالم الذي أجرى هذه الدراسة- يؤمن بأن الاهتمام بهذه الفئة يساعدهم للوصول الى اعلى مستويات التميز، ولكن ما حُسب عليه أو ضده أنه تدّخل في عيّنة الدراسة، ولم يدعهم يحققون ذلك بذاتية مُطلقة، فقد ساعدهم أحيانا في الدخول للجامعة أو العمل، وما يؤاخذ على هذه الدراسة أيضا هو التحيز تجاه الإناث فلم يُذكر أن الإناث كانوا من ضمن هذه العينة.

الخلاصة من هذه الدراسة، أن الاذكياء هم أناس ناجحين جسماَ و عقلاَ ومتزنين نفسيا.

 

الدراسة المهمة الثانية هي دراسة إسكوتلندية، اعتمدوا فيها على إحصائية مشهورة تمت في عام 1930 وكانت ضخمة جدا، فقد احتوت تقريبا على جميع الأطفال في اسكوتلندا أي ما يُقارب ال 160 الف طفل، تم جمعها ما بين عام 1921 الى 1936، حيث أن جميع هؤلاء الاطفال خضعوا لاختبار الذكاء الـ IQ، وتمت على مرحلتين، الاختبار الأول واعمارهم 11 سنه، وبعد ذلك في سن أكبر، هذه الإحصائية أُهملت لاحقا وتم وضعها في المستودع ونسوا منها،  إلى أن تنبّه لها البروفسور  Deary عام 2000 حيث أنه استطاع الحصول على 550 شخص فقط ( طبعا كانوا سابقاً من ضمن ال 160 الف طفل) ، صحيح أن العدد قليل جدا إذا ما قارناه بالرقم الأصلي ولكنه مُعبر، اعمار هؤلاء الأطفال في عام 2000 كانت تقريبا 80 سنه.

قام هذا العالم بإعادة الاختبار لهم مرة أخرى في عمر الثمانين ليستخلص نتائج مهمه حول الذكاء:

الـ IQ لديهم لم يتغير كثيرا، فقد كانت النتائج مُقاربه لما حصلوا عليه في أيام الطفولة، الذكاء السائل الذي ذكرته سابقا كان قد انخفض بينما الذكاء المتبلور كان إلى حد ما ثابتاً.

النقطة المهمة الأخرى هو أن الاذكياء الذين تفوقوا على اقرانهم في أيام الطفولة، عاشوا أطول وذلك يعود لسبب سلوكهم الصحي والجو العام الصحي في حياتهم.

خلاصة هذه الدراسة أن الاذكياء بسبب ذكائهم يعيشون حياة أكثر صحة واستقراراً ويعيشون لعمر أطول(وهذا بديهي، فالذكي يراجع طبيبه باستمرار ويسلك سلوكاً صحياً أكثر)  

 

دراسة أخرى هامه لا تقل عن الدراستين السابقتين، وهذه الدراسة بالذات عمل فيها مؤلف الكتاب (البرفسور ريتشرد هاير) في بداياته البحثية، وكانت عام 1970 في جامعة Hopkins.  كان تركيزها على الطلبة المتفوقين والذين يسبقون أعمارهم في الذكاء (إذا صح التعبير الأطفال الموهوبين أو المتميزين) وهذه الدراسة مشابهه لما قامت به دراسة تيرمان، مع توجه علمي أي فيما يخص المواد العلمية كالرياضيات والعلوم بشكل عام، والأعمار التي تم اختيارها كانت ما بين 11 – 13 سنة، والهدف منها كان أيضا دعم هؤلاء المتميزين وجعلهم إن لزم الأمر يتقدمون في السنوات الدراسية دون المرور بكل مرحلة واحدة بعد الأخرى كالمعتاد، بمعنى أن ذكاؤهم يُخولهم لعدم المرور بكل سنة دراسية، وهذا جعلهم ينجزون أسرع ويصلون للجامعة.

بعد هذه المساعدة تم إيصال طالب في عمر ال 18 سنه إلى التحضير لرسالة الدكتوراة، تخيل معي أن يكون عمرك 18 سنة وقد أنجزت البكالريوس والماجستير.

من الأمثلة على هؤلاء الأطفال المتميزين هو مؤسس الفيس بوك : Mark Zukerberg والمغنية المشهورة ليدي قاقا.

طبعا بعد سنوات من متابعتهم، كانت النتيجة متوافقة مع ما سبقها من الدراسات، فهم تميزوا عن غيرهم ووصلوا إلى أماكن مرموقة و وظائف هامّة.

الخلاصة مما سبق أن اختبار الـ IQ  فعّال ولا يُستهان به في تقدير ما ستكون عليه حياة الفرد في المستقبل، من ناحية العمل، الصحة، طول العمر.

(موسيقى)

نأت الآن إلى السؤال المهم: أين يقع الذكاء بين الجينات والمؤثرات، ما لذي يؤثر على ذكاء الفرد، هل هي جيناته التي ولد بها؟ أم التنشئة التي عاش فيها؟

طبعا حتى الان لا نستطيع أن نذكر جين بعينه، وهذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نؤثر على الجينات بطريقة أو أخرى، فالجينات منها ما يُؤثر بشكل حتمي وفي الغالب لن نستطيع أن نؤثر عليها، وهناك بعض الوظائف أو الصفات تتأثر بمجموعة من الجينات، وهنا بالذات قد نستطيع إلى حد ما أن نؤثر عليها، فمثلا عندما يكون في اسرتك تاريخ مرضي بأمراض القلب، فقد نستطيع أن نُخفض نسبة هذه الأمراض بالرياضة والالتزام بالأكل الصحي.

هذا يُعطي مؤشرا جيدا، أن الموضوع ليس مصيري وحتمي فيما يخص الذكاء، فعلم الجينات والتلاعب بها يتطور بشكل ملحوظ.

 هنالك بلا شك صعوبات كسؤال: في أي نقطة فُعّل هذا الجين أو صار خامدا، خصوصا و أن بعض الجينات تتأثر بأكثر من طريقة، وهذا بطبيعة الحال سيقودنا إلى مفهوم أكثر تعقيداً وهو علم الـ epigenetics أو كما تسمى بعلم ما فوق الجينات، وما فوق الجينات ببساطة هي أجزاء كيميائية تعمل كمفاتيح التشغيل والاطفاء، فتحت ظروف معينه تعمل فتؤثر على الجينات أو قد تصبح خامدة.

عموما سنناقش في هذه الحلقة ما نعرفه حتى الان عن الذكاء، بالتعاون مع الدراسات وتصوير الدماغ بأشعة الرنين وتقنية التصوير الاشعاعي البوزيتروني الـ PET.

سنبدأ الآن بمناقشة الطفولة والذكاء من نواحي متعددة.

في أغلب دول العالم، تأثير الفقر لا يعتبر كبير، فجميع الدول مع بعض الاستثناءات لديهم تعليم الأطفال الزامي، ولذلك الفقر هنا لم يكن له دور كما يرى المؤلف.

وهناك حقيقة مهمه في هذا الجانب، ويجب أن نفهمها جيداً وهي أن الإنجاز الدراسي والذكاء ليسا نفس الشيء، فالتعليم يؤثر على الأداء الدراسي والتحصيل لكنّه لا يؤثر على الذكاء نفسه، فأنت بالصبر والاجتهاد تستطيع أن تحقق الكثير من الأشياء، ولكنّ الذكاء قصةُ أخرى.

الحقيقة الثانية هي أن الجنيات دورها كبير جدا فيما يخص الذكاء، ودورها كما سيتضح لنا أهم من التنشئة او البيئة نفسها.

طبعا يُستدل على هذا الادعاء أن مراجعة الدراسات في اخر 40 سنه، أثبتت أنه حتى ولو ارتفعت قليلا نتيجة الـ IQ  بتأثير التعليم، إلا أنها مع الوقت تعود لمستواها الحقيقي.

وسأذكر بعض الأمثلة في هذا الموضوع.

في أحد المشاريع التي تهتم بالتدريس، أُنشأ مشروع يُدعى بـ ABCDerian Project

في هذا المشروع تم اختيار الأطفال الفقراء فقط، وكان عددهم خمسين طفل، وضعوهم في هذا المشروع من عمر الأربع إلى الست سنوات، وجعلوا لكل ست طلاب كحد أقصى معلم يُدرسهم، بواقع خمس أيام في الأسبوع. في المقابل سيتم مقارنتهم بـ 50 طفل لم يُدرسوا في هذا المشروع.

تم متابعة الأطفال لاحقا في عمر ال 21 سنه ولاحظوا التالي:

الأطفال الذين تم عمل المشروع عليهم أحرزوا في اختبار ال IQ نتائج مرتفعة، لكنّها عادت لتنخفض مرة أخرى مثلهم مثل الأطفال الذين لم يكونوا في المشروع، طبعا لا نستطيع أن نُنكر تأثير المشروع على من خاضه، فهم تعلموا جيدا ودرسوا الجامعة، ولكن كذكاء لم يختلفوا كثيراً، وهذا ما كنت أقصده هو أن التحصيل الدراسي يتأثر ولكنّ الذكاء من حيث هو يبقي كما هو ( ولعلي هنا أذكر ملاحظة شخصيّة، وهي أنك مثلاً قد تقابل ألف معلّم، درسوا وتخرجوا بمستويات ذكاء مختلفة، ولكن في العمل تجد القلّة منهم متميزين، وفي ظني أن الذكاء هنا هو من حكم عليهم بالتميز، كذلك قد يعالجك الكثير من الأطباء، وكلهم درسوا وتخرجوا ولكنّ يوجد ذلك الطبيب المتميز والذي ميزه ذكاءه عن أقرانه) .

وفي ظل محاولة فهم تأثير البيئة على الذكاء، تظهر مشكلة وهي:

 هل نستطيع حقاً أن ندرس تأثير البيئة جيداً؟ فمن شبه المستحيل أن نقوم بمقارنة تنشئتين مختلفتين لطفلين، فكل واحد منهما عاش حياته بطريقة مختلفة، حتى ولو كانا أخوين، فانت هنا تقارن ماذا بماذا؟، هناك عوامل كثيرة جدا لا نستطيع أن نحصرها، والسؤال الاخر: كيف سنحدد مقدار تأثير ظرف مع ظرف آخر، ولن تَصح دراسة التنشئة الا في حالة واحدة وهي أن ندرس شخصين مروا تماما بنفس الظروف والتجارب وهذا كما ذكرت شبه مستحيل. يوجد أيضاً نقطة مهمه تجعلنا نميل لجهة الجينات أكثر وهي "شخصية الطفل" فشخصيته تُحدد طريقة عيشه، فقد تُلاحظ أن الطفل يلعب مع من يشبهه من الأطفال، وبطريقة أو أخرى نعود إلى الجينات.

عموما دعونا نأخذ اول دراسة عجيبة تُقارن بين تأثير الجينات و البيئة، وقد تمت على تؤام من الأطفال. هذا التؤام هو من نوع التؤم المتشابه (والتوأم المتشابه يتشاركون تقريبا بمئة في المئة من الجينات) ، هذا التوأمان المتشابهان في هذه الدراسة عاشا منفصلين في مكانين مختلفين ولم يعلما بوجود بعضهما.

هؤلاء التؤم، تم عمل اختبار الـ IQ  لهما، و وجدوا أن نسبة تشابه النتائج تُقدّر بما يقارب السبعين في الميه، وتعتبر نتيجة متقاربة جدا، خصوصاً إذا ما اخذنا في عين الاعتبار طريقة تنشئتهما المختلفتين، فكل واحد منهما عاش في عائلة مختلفة وجو عام مختلف، ومع ذلك كانت نتائجهم -وبشكل لافت- متشابهة بنسبة 70%، وما سيجعلك تستغرب أكثر هو أن نتيجة توأمين متشابهين آخرين عاشا مع بعض لم تكن مختلفة عنهما، وكانت نسبة التشابه بينهما أيضاً تُقدر ب 70%. هذه الملاحظة تمت على الكثير من التوائم على مستوى العالم ووصلوا إلى أن نسبة تشابه النتائج كانت حتى مرتفعة قليلاً بما يقارب ال 75 في المئة.

ماذا يعني هذا كله؟

هذا يعني أن الجينات كان لها دور كبيرا جدا حتى مع اختلاف البيئة والتنشئة، فالجينات لوحدها تؤثر على الذكاء بنسبة الـ 70% وهذه المعلومة هي العلامة الفارقة لفهم الذكاء بين الماضي والحاضر.

هناك نقطة لا تقل جمالاً عما ذكرت، وهي أن الجينات يظهر تأثيرها مع مرور الوقت، فما بين عمر الأربع والسبع سنوات يكون تأثير الجينات ما يقارب العشرين في المئة على الذكاء، ولكن خذ هذه المعلومة يا صديقي، عند عمر ال 18 يصبح تأثير الجينات 80% على الذكاء ويُصبح تأثير البيئة أقل من المتوقع.

 وأنا بنفسي لاحظت هذا (وأنا طبعا لا أعتبر حُجة ولكن كنوع من مشاركة الملاحظات):  فقد لاحظت أن بعض الأشخاص لا يلمع نجمه الا في مرحلة الثانوية أو بعدها ( مرحلة الجامعة)، لأتعجب من أين جاء هذا الذكاء؟ ويبدو أن الإجابة هي أن الجينات بدأت تُسيطر على زمام الأمور وأصبحت هي من يتحكم في لعبة الذكاء.

طبعا لا يمكن أن نقول بأي حال من الأحوال، أن دخل العائلة والوضع الاقتصادي لا يؤثر على الذكاء، فهذا يؤخذ في الحسبان، فمثلاً من كانت أمه اثناء الحمل تشرب الكحول وتُدخن، أكيد ستؤثر على تركيبة الدماغ وهذا يؤثر على الذكاء، أو مثلاً نوع الغذاء، فقد أوضحت احدى الدراسات ان تناول الوجبات السريعة للأطفال مضرة وتقلل من ذكائهم، ولكن ما نريد ايضاحه هنا هو أن البيئة لا تتشارك بخمسين في المئة مع الجينات، بل الجينات لها اليد العُليا بالعموم.

المُؤلف يذكر أيضا معلومة مهمة وهي أن الأبحاث فيما يخص تحديد جين معين لم تقدم الكثير، وهناك محاولات لصنع علاج أو طريقة لزيادة الذكاء، ولكنها لم تنجح، ولعل المستقبل – كما عهدناه – يدا بيد مع العلم يُغير المعادلة.

 من يدري؟

(موسيقى)

الآن عمليا سننتقل الى نوع آخر من طرق دراسة الذكاء، وهي طريقة تصوير الدماغ وخصوصا بتقنية ال PET   وهي طريقة تعتمد على ملاحظة استخدام او ابتلاع الخلايا العصبية لجُزيء السكر، وبالتالي يتبين لنا بهذا التصوير، النشاط في منطقة في الدماغ دون أخرى، هذا النوع من الدراسة هو ملعب المؤلف الحقيقي، وسنكتشف معه حقائق جديدة.

سنبدأ بسؤال، لو أتينا بشخصين، أحدهم ذكائه عادي والآخر مُرتفع الذكاء، وقدمنا لهما اختبار، وفي نفس اللحظة قمنا بقياس نشاط الدماغ، بظنك من سيكون دماغه مُشتعل أو نشط أكثر؟ صاحب الذكاء العاديّ أم مُرتفع الذكاء؟

سأعطيك وقتاً لتفكر

هل وصلت لنتيجة؟

في الحقيقة أن الشخص مرتفع الذكاء نشاط دماغه يكون أقّل إذا ما قارنّاه بالشخص عادي الذكاء، أعلم أن النتيجة غريبة، ولكن سنفهم الان لماذا.

استنتج المؤلف من هذه النتيجة فكرة كفاءة الدماغ.

الفرضية تقول: ان الذكاء يرتبط أكثر بكفاءة الدماغ لا بنشاطه وسأذكر مثال لتتضح الصورة:

هل تتذكر أول مره قمت فيها بقيادة السيارة؟ هل كنت تستطيع أن تتحدث مع من هو بجانبك؟ أم أن تركيزك منصب على القيادة؟

 أكيد سيكون تركيزك منصب على القيادة، وهذا يعني أن نشاط الدماغ عالي في هذه اللحظة. بعد عدة سنوات من القيادة، ما لذي سيحدث؟ ستجد أنك تتحدث مع صديقك وتأكل حتى وأنت تقود دون أية مشاكل.  وهنا نأتي للفكرة المهمة وهي: أن الدماغ لم يعد يحتاج لطاقة كبيرة مع الوقت، وأصبح يقوم بهذه المهمة بأقل تكلفة وبأعلى كفاءة. وهذا يعني أن الشخص الذكي في التجربة السابقة، دماغه يعمل بكفاءة أعلى ولذلك ظهر نشاط دماغه أقل، وفي المقابل الشخص عادي الذكاء، كان يحتاج لنشاط أعلى ليصل لنفس المستوى. بطبيعة الحال قام البروفسور هاير بإجراء تجارب أخرى من هذا القبيل، وتأكدت المعلومة وسأذكر أحدها:

أحضر متطوعين لتعلم لعبة جديدة، وفي نفس اللحظة يتم تصوير ادمغتهم، ثم قارن بين هذا النشاط، والنشاط الذي حدث بعد 50 يوم من التدريب. لُوحظ أن نشاط الدماغ إذا ما قارنّا البداية مع النهاية، فإن نشاطه مع الوقت يقلّ وهذا يعني كفاءة أعلى – والسبب أن المتطوعين الان اصبحوا متمكنين أكثر في اللعبة-.

طبعا لم يقف عند هذا الحد، بل أراد أن يختبر هذه الفرضية مرة أخرى، فأتى بثلاثة أشخاص، إنسان ذكاءه طبيعي، وإنسان مُصاب بمتلازمة داون أو كما يسمى بالطفل المغولي ولديه ذكاء منخفض، والشخص الثالث لديه تخلف عقلي وكذلك بذكاء منخفض، تم تصوير نشاط ادمغتهم جميعا، وكان النتائج إيجابية، فالشخص العادي نشاط دماغه أقل من نشاط دماغ الطفل المنغولي ومن لديه تخلف عقلي، وهذا يثبت صحة الفرضية، فالذكاء العالي مرتبط بنشاط أقل وكفاءة أعلى في أداء المهام!

طبعا الذكاء تحت تقنية تصوير الدماغ يتمثل في مناطق كثيرة أهمها الارتباط العصبي الواضح ما بين منطقتي الـ parietal  و frontal  أي الفص الجداري والجبهي، وتظهر أيضا ترابطات أخرى ولكن تُعتبر أقل برزواً، ويظهر ذلك جلياً أثناء أداء اختبارات الذكاء. الغريب في الموضوع أن أدمغة الرجال من حيث مناطق الذكاء تختلف عن النساء، فلو أتيت برجل وامرأة بنفس الذكاء ستجد أن أدمغتهم تعمل بطريقة مختلفة، والإجابة على ذلك حتى الان غير معروفة.

هناك أيضا دراسات تمت تحاول أن تربط حجم الدماغ بالذكاء، والكثير منها أثبت أن هناك ارتباط جيد بين حجم الدماغ والذكاء، فكلما كان حجم الدماغ أكبر فعلى الاغلب يصاحب ذلك ذكاء أعلى.

آخر نقطة أًحب أن أناقشها هي: هل هناك طريقة نستطيع من خلالها أن نُطور ذكاءنا؟

يُشير الكاتب وبصريح العبارة أنه وحتى الان لا توجد أدلة كافية وموضوعية تثبت أن الذكاء من الممكن زيادته، والصعوبات تكمن في التالي:

أن الذكاء من حيث هو، هو منتج يصنعه الدماغ، والدماغ عبارة عن خلايا وانسجة تٌبرمجها الجينات، فكيف سنستطيع أن نؤثر على الجينات بحيث ينعكس ذلك على الدماغ ومن ثم على الذكاء.

الصعوبة الثانية هو عدم وجود منطقة واحدة تُمثل الذكاء، حيث أن العديد من المناطق في الدماغ تتدخل في صنعه، ومن وابرزها ما ذكرته من الترابط العصبي ما بين الفص الجبهي والجداري ويدخل في ذلك أيضا منطقة حصان البحر، العقد القاعدية وغيرها، وهذا يجعل المهمة أصعب.

هذه الصعوبات في الحقيقة لا تعني أنه لن يكون هناك حلّ لها، بل على العكس محاولة فهم كيف يُنتج الذكاء، وأين بالضبط، وفك شفرة الجينات المتربطة به هي بداية الطريق، فالعلم والإنسان يداً بيد هم من يجعلون من المستحيل لا مستحيل.  

على العموم حاولت أن أُلخص لكم النقاط المهمة دون تعقيد، فالكتاب للأمانة مليء جداً بالدراسات والرسومات والتحليل البياني والكثير الكثير.

يتوفّر الكتاب باللغة الإنجليزية حتى تسجيل هذه الحلقة، اسم الكتاب the Neuroscience of intelligenceلعالم الاعصاب ريتشرد هايير، سأضع الاسم في وصف الحلقة، وسأضع أيضا الاميل حسابات السوشل ميديا وموقعي لمن أراد أن يقرأ الحلقة كتابياً.

 

لا تنسوا الاشتراك في البودكاست وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، قيّموا البودكاست واكتبوا تعليقاتكم وملاحظاتكم فأنا اتشرف بقراءتها.

كان معكم نايف ناجي

أترككم بخير.

 

 

 

 

29 views0 comments
bottom of page